للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدينية على أصولهم وشروطهم فكرهوه. وكان بحلب رجل كاتب طبيب نصراني يعرف بالحكيم أبى الخير بن شرارة، وكان إذا اجتمع به وناظره في أمر الطب يستطيل عليه ابن بطلان بما عنده من التقاسيم المنطقية فيقطع في يده، وإذا خرج عنه حمله الغيظ على الوقيعة فيه، ويحمل عليه نصارى حلب الذين هجوه هجاء اضطر معه إلى فراقهم.

خرج ابن بطلان عن حلب إلى (أنطاكية)، ثم إلى (اللاذقية)، وقد وصف هذه البلدان التي مربها وصفا ناقدا عجيبا في كتاب كتبه إلى الرئيس هلال ابن المحسن (١) ثم أتم رحلته إلى مصر فدخل (الفسطاط) في سنة ٤٤١ وأقام بها ثلاث سنين وذلك في دولة المستنصر باللّه من الخلفاء الفاطميين، وجرت بين الرجلين وقائع كثيرة ونوادر ظريفة لا تخلو من فائدة وقد ضمن ابن بطلان تلك الحوادث والمحاورات رسالة بعث بها إليه بعد خروجه من مصر، وقد حفظ لنا القفطي هذه الرسالة في كتابه (٢)، ونشرها يوسف شاخت وماكس مايرهوف سنة ١٩٣٧.

وقد اتسع نطلق المناظرة بين الرجلين حينا فخرج من حدود المناظرة العلمية إلى حد المهاترات الشخصية، فيذكر ابن أبي أصيبعة أن ابن رضوان كان أسود اللون ولم يكن بالجميل الصورة، وكان يناضل عن نفسه من هذه الجهة حتى ألف مقالة يرد بها على من عيره بقبح الخلقة، بين فيها «أن الطبيب الفاضل لا يجب أن يكون وجهه جميلا». فانتهزها ابن بطلان فرصة له فوقع فيه، وكان يلقبه «تمساح الجن»، وقال فيه:

فلما تبدى للقوابل وجهه … نكصن على أعقابهن من الندم

وقلن وأخفين الكلام تسترا … ألا ليتنا كنا تركناه في الرحم!

ويعقد ابن أبي أصيبعة مقايسة علمية بينهما فيقول:

«كان ابن بطلان أعذب ألفاظا وأكثر ظرفا وأميز في الأدب وما يتعلق به،


(١) القفطي ١٩٣ - ١٩٥.
(٢) القفطي ١٩٥ - ٢٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>