فذلك لا يخرج عمن تحوزه القصور ودار الوزارة والشيوخ والأصحاب والحواشى والمستخدمون ورؤساء العشاريات وبحارتها. ولم يكن لأحد من الأمراء على اختلاف درجاتهم في ذلك نصيب. وأما الأصناف من البطيخ والرمان، والبسر والتمر، والسفرجل والعناب، والهرائس على اختلافها، فيشمل ذلك جميع من تقدم ذكرهم، ويشركهم في ذلك جميع الأمراء أرباب الأطواق والأقصاب وسائر الأماثل، وقد تقدم شرح ذلك - فوقع الوزير المأمون على جميع ذلك بالإنفاق.
وقال القاضي الفاضل في تعليق المتجددات لسنة ٥٨٤: يوم الثلاثاء رابع عشر رجب، يوم النيروز القبطي، وهو مستهل توت، وتوت أول سنتهم وقد كان بمصر في الأيام الماضية والدولة الخالية - يعنى دولة الخلفاء الفاطميين - من مواسم بطالاتهم ومواقيت ضلالاتهم، فكانت المنكرات ظاهرة فيه، والفواحش صريحة في يومه، ويركب فيه أمير موسوم بأمير النوروز، ومعه جمع كثير، ويتسلط على الناس في طلب رسم رتبه على دور الأكابر بالجمل الكبار، ويكتب مناشير ويندب مترسمين، كل ذلك يخرج مخرج الطير، ويقنع بالميسور من الهبات، ويتجمع المؤنثون والفاسقات تحت قصر اللؤلؤة بحيث يشاهدهم الخليفة، وبأيديهم الملاهي، وترتفع الأصوات، وتشرب الخمر والمزر شربا ظاهرا بينهم في الطرقات، ويتراش الناس بالماء، وبالماء والخمر، وبالماء ممزوجا بالأقذار. فإن غلط مستور وخرج من داره لقيه من يرشه ويفسد ثيابه، ويستخف بحرمته، فإما فدى نفسه وإما فضح.
ولم يجر الحال في هذا النوروز على هذا، ولكن قد رش الماء في الحارات، وأحيا المنكر في الدور أرباب الخسارات.
وقال في سنة ٥٩٢: وجرى الأمر في النوروز على العادة من رش الماء، واستجد فيه هذا العام التراجم بالبيض، والتصافع بالأنطاع، وانقطع الناس عن التصرف، ومن ظفر به في الطريق رش بمياه نجسة وخرّق به.
هذه صورة لما كان عليه الحال في عيد النيروز بمصر أيام الفاطميين، يرسمها لنا المقريزي وغيره من المؤرخين. وهي تدلنا على مبلغ ما كان عليه التآخي والمشاركة وطيب المجاملة، بين المسلمين وإخوانهم المسيحيين.