ذاك ما كتبته في صدر نشرتى الأولى لكتاب عرام. وقد سرني عظيم السرور أن يظهر بعد نحو ثلاثة أشهر من ظهور هذه النشرة نقد علمي لها بقلم الأخ العالم الشيخ حمد الجاسر عضو المجمع العلمي العربي بدمشق، في مجلة المجمع ٢٨:
العدد الثالث ص ٣٩٦ - ٤٠٢ بتاريخ شوال سنة ١٣٧٢، والعدد الرابع ص ٥٩٢ - ٥٩٩ بتاريخ المحرم سنة ١٣٧٣.
وأنا ممن يعجبه النقد إعجابا، ويرى فيه إتماما لأداء الأمانة العلمية التي يحملها العلماء جميعا لا ينفرد أحد منهم بحملها وحده، ويرى كذلك أن من كتم الأمانة آثم في حقها وفي حق العلم.
فكان من الطبيعي عندي أن ألقى ذلك النقد في غبطة، وكان من الطبيعي أيضا أن أغض الطرف عما يندفع فيه الناقد أحيانا من لغة هي أشبه بنزوات الظافر في حومة القتال، فهي نزوات قل من عصم نفسه البشرية من أمثالها.
وقد كنت دعوت من قبل إلى أن يكون النقد بين الأدباء جاريا على سنن رفيع من أساليب التعبير، وأن يكون مبرأ من العوامل الشخصية، وكتبت قديما فيما كتبت في مجلة الثقافة العدد ٦٤٧ مايو سنة ١٩٥١:
«لم يعد النقد الأدبي كما كان بالأمس تجريحا وتشهيرا بالمنقود، بل آن أن نصطنع الجد فيما يمس أقدار الأدباء وكرامتهم العلمية، فإن العثار أمر يعرض للأدباء جميعا، لا يرتاب في ذلك إلا مغتر، أو ذاهب العقل، أو متهافت النفس. وأمر النقد لا يعدو أن يكون معاونة ومجادلة في الرأي، أو مشاركة في التهدى إلى الصواب. والنقد أبدا خادم للعلم، وليس ضربا هينا من فنون الهجاء، وإنما هو فن رفيع يتأتى إليه الأديب في خلق سمح وخطاب كريم».
وبهذه الروح التي أعتز بها وأومن بوحيها إيمانا صادقا، أنشر صدر كلمة الأستاذ الجاسر، وهي كلمة كريمة كنت أرجو أن تكون مبرأة من بعض الهنات التي