لِلْعَالَمِينَ رَبًّا لَهُمْ مُنْعِمًا عَلَيْهِمْ بِتِلْكَ النِّعَمِ مَالِكًا لِيَوْمِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ مُخْتَارًا فِيهِ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ لِإِيجَابٍ بِالذَّاتِ أَوْ وُجُوبٍ عَلَيْهِ اقْتَضَتْهُ سَوَابِقُ الْأَعْمَالِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ بِهِ الْحَمْدَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: ٧] فَهُوَ بَدَلٌ مِنْ الَّذِينَ أَوْ صِفَةٌ لَهُ مُبَيِّنَةٌ أَوْ مُقَيِّدَةٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْمُنْعَمَ عَلَيْهِمْ هُمْ الَّذِينَ سَلِمُوا مِنْ الْغَضَبِ وَالضَّلَالِ فَجَمَعُوا بَيْنَ النِّعْمَةِ الْمُطْلَقَةِ وَبَيْنَ السَّلَامَةِ مِنْ الْغَضَبِ وَالضَّلَالِ، وَقَدْ اُعْتُبِرَ مَفْهُومُ أَحَدِهِمَا مَعَ مَنْطُوقِ الْآخَرِ لِيَتَّفِقَا فَمِنْ حُكْمِهِ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ التَّقْوِيَةُ وَالتَّأْكِيدُ، وَأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْحُكْمِ عَلَى الْأَوَّلِ وَعَلَى الْأَخِيرِ التَّقْيِيدُ.
(سُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الْقَائِلِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِمَّا سِوَى اللَّهِ هَلْ ذَلِكَ سَائِغٌ وَهَلْ هُوَ عَلَى حَدِّ قَوْلِ لَبِيدٍ الَّذِي شَهِدَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ
خُصُوصًا وَمَا لِمَا لَمْ يَعْقِلْ أَمْ لَا اُبْسُطُوا لَنَا الْجَوَابَ وَبَيِّنُوهُ بَيَانًا شَافِيًا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ الْمَذْكُورَ سَائِغٌ بَلْ هُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ قَائِلَهُ قَدْ تَرَقَّى فِي مَقَامَاتِ الْخَوَاصِّ إلَى أَنْ صَارَ إلَى أَعْلَى مَرَاتِبِ التَّقْوَى وَهُوَ أَنْ يَتَنَزَّهَ عَنْ كُلِّ مَا شَغَلَهُ سَوَاءٌ مِنْ الْخَلْقِ إذْ زِيَادَةُ الْحُبِّ لَهَا سَبَبَانِ أَحَدُهُمَا خُلُوُّ الْقَلْبِ عَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute