عَلَى قِرَاءَتِهِ عَلَى مَا نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ أَوْ لَا وَهَذَا مِمَّا لَا رَيْبَ فِيهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي الْفَاتِحَةِ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ وَكَذَا فِي الْفَاتِحَةِ، وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ إذَا كَانَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ وَلَا يَفْسُقُ بِهِ عِنْدَ إصْرَارِهِ عَلَيْهِ إذَا غَلَبَتْ طَاعَاتُهُ مَعَاصِيَهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ، وَغَيْرُهُ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ فَقِيهٍ، وَإِذَا رُفِعَ أَمْرُهُ إلَى الْإِمَامِ - أَيَّدَ اللَّهُ بِهِ الدِّينَ - نَهَاهُ عَنْ فِعْلِهِ الْمَذْكُورِ فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ عَنْهُ عَزَّرَهُ التَّعْزِيرَ اللَّائِقَ بِحَالِهِ.
[هَلْ الصَّحِيحُ أَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ مُتَغَايِرَانِ]
(سُئِلَ) هَلْ الصَّحِيحُ أَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ مُتَغَايِرَانِ حَتَّى يَكُونَ كُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمًا وَلَا عَكْسَ أَمْ لَا بَيِّنُوا لَنَا مَعْنَى الْآيَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: ١٤] وَكَذَا الْآيَةُ فِي الذَّارِيَاتِ {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: ٣٥] ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْإِسْلَامَ إعْمَالُ الْجَوَارِحِ وَلَا يُعْتَبَرُ إلَّا مَعَ الْإِيمَانِ وَلِذَلِكَ فَسَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا «سَأَلَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إنْ اسْتَطَعْتَ إلَيْهِ سَبِيلًا» وَلَكِنْ لَا يُعْتَبَرُ وَيَقَعُ مُعْتَدًّا بِهِ إلَّا مَعَ الْإِيمَانِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ الْآتِي، وَأَمَّا الْإِيمَانُ فَهُوَ تَصْدِيقُ الْقَلْبِ بِمَا عَلِمَ ضَرُورَةَ مَجِيءِ الرَّسُولِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ إلَّا مَعَ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَيْنِ مِنْ الْقَادِرِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ مُؤْمِنٌ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا، وَلَا مُسْلِمٌ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا وَهَذَا مُرَادُ الْجُمْهُورِ بِقَوْلِهِمْ إنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ لَا الِاتِّحَادُ فِي مَفْهُومِ الِاسْمَيْنِ كَمَا هُوَ شَأْنُ التَّرَادُفِ لُغَةً وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْله تَعَالَى {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: ٣٥] {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: ٣٦] ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي صِدْقَ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُسْلِمِ لِاتِّحَادِ مَفْهُومِهِمَا، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: ١٤] فَوَارِدٌ فِي قَوْمٍ مُنَافِقِينَ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ وَيُخْفُونَ الْكُفْرَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[خَاتِمَة الْكتاب]
هَذَا آخِرُ مَا عَلَّقَ مِنْ فَتَاوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ وَارِثِ عُلُومِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُكَرَّمِينَ الْإِمَامِ الشَّهِيرِ الْعَلَّامَةِ الرَّمْلِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَأَرْضَاهُ وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مُتَقَلَّبَهُ وَمَثْوَاهُ آمِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute