للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَالَى أَوْحَى إلَى بَعْضِ أَنْبِيَائِهِ إنَّمَا أَتَّخِذُ مِنْ خَلْقِي مَنْ لَا يَفْتُرُ عَنْ ذِكْرِي وَلَا يَكُونُ لَهُ غَيْرِي وَلَا يُؤْثِرُ عَلَيَّ شَيْئًا مِنْ خَلْقِي، وَإِنْ احْتَرَقَ بِالنَّارِ لَمْ يَجِدْ لِحَرْقِ النَّارِ وَقْعًا، وَإِنْ قُطِعَ بِالْمَنَاشِيرِ لَمْ يَجِدْ لِلَمْسِ الْحَدِيدِ أَلَمًا فَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحُبُّ إلَى هَذَا الْحَدِّ فَمِنْ أَيْنَ يَعْرِفُ مَا وَرَاءَ الْحُبِّ مِنْ الْكَرَامَاتِ. وَقَدْ قَالَ الْأَئِمَّةُ: إنَّ أَعْلَى دَرَجَاتِ الزُّهْدِ أَنْ يَرْغَبَ عَنْ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى عَنْ الْآخِرَةِ، وَيَرْغَبَ فِي اللَّهِ تَعَالَى وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَعُودَ فِي شَيْءٍ مِمَّا رَغِبَ عَنْهُ وَيَرْغَبُ فِيهِ فَيَكُونُ قَدْ رَجَعَ فِي الثَّمَنِ فَتَمَامُ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ بِحِفْظِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ عَمَّا يُنَاقِضُ زُهْدَهُ، وَأَعْلَى دَرَجَاتِ التَّوْحِيدِ أَنْ لَا يَرَى فِي الْوُجُودِ إلَّا وَاحِدًا وَهُوَ مُشَاهَدَةُ الصِّدِّيقِينَ وَتُسَمِّيهِ الصُّوفِيَّةُ الْفَنَاءَ فِي التَّوْحِيدِ فَلَا يَرَى نَفْسَهُ لِكَوْنِ بَاطِنِهِ مُسْتَغْرَقًا بِالْوَاحِدِ الْحَقِّ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ أَبِي يَزِيدَ ثُمَّ أَنْسَانِي ذِكْرَ نَفْسِي وَمَعْنَى كَوْنِ هَذَا مُوَحِّدًا أَنَّهُ لَمْ يَخْطِرْ فِي شُهُودِهِ وَقَلْبِهِ إلَّا الْوَاحِدُ الْحَقُّ وَفَنَى عَنْ الْوَسَائِطِ وَعَنْ نَفْسِهِ. وَسَبَبُ التَّرَقِّي إلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا خَالِقَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّهُ لَا تَتَحَرَّكُ ذَرَّةٌ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ لَا فَقْرَ وَلَا غِنَى وَلَا مَوْتَ وَلَا حَيَاةَ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>