للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُرْسَلُ إلَيْهِمْ عَنْ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ وَبِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ فَهُوَ أَعْجَبُ فِي الْآيَةِ، وَأَوْضَحُ فِي الدَّلَالَةِ مِنْ إحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى إلَى أَهْلِ الْبَلَاغَةِ، وَأَرْبَابِ الْفَصَاحَةِ وَرُؤَسَاءِ الْبَيَانِ وَالْمُتَقَدِّمِينَ فِي اللَّسَنِ بِكَلَامٍ مُفْهَمِ الْمَعْنَى عِنْدَهُمْ فَأَعْجَزَ بِفَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ كُلَّ فَصِيحٍ وَبَلِيغٍ مِمَّنْ طُولِبَ بِمُعَارَضَتِهِ مِنْ الْعَرَبِ الْعَرْبَاءِ وَمَصَاقِعِ الْخُطَبَاءِ مَعَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْمُضَادَّةِ وَالْمُصَادَمَةِ، وَإِفْرَاطِهِمْ فِي الْمُعَادَاةِ وَالْمُعَانَدَةِ فَكَانَ عَجْزُهُمْ عَنْهُ أَعْجَبَ مِنْ عَجْزِ مَنْ شَاهَدَ الْمَسِيحَ عِنْدَ إحْيَاءِ الْمَوْتَى؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَطْمَعُونَ فِيهِ وَلَا فِي إبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ وَلَا يَتَعَاطَوْنَ عِلْمَهُ وَقُرَيْشٌ كَانَتْ تَتَعَاطَى الْكَلَامَ الْفَصِيحَ وَالْبَلَاغَةَ وَالْفَصَاحَةَ وَالْخَطَابَةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَجْزَ عَنْهُ إنَّمَا كَانَ لِيَصِيرَ عَلَمًا عَلَى رِسَالَتِهِ وَصِحَّةِ نُبُوَّتِهِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا مُنَزَّلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَأَمْكَنَهُمْ الْإِتْيَانُ بِمَا يُسَاوِيهِ أَوْ يُدَانِيهِ فِي حُسْنِ الْأُسْلُوبِ وَالتَّرَاكِيبِ لَكِنَّهُمْ اخْتَارُوا بَذْلَ الْمُهَجِ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ الْمُعَارَضَةُ بِأَقْصَرِ سُورَةٍ مِنْهُ وَهَذِهِ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ وَبُرْهَانٌ وَاضِحٌ، وَمُعْجِزَةُ الْقُرْآنِ بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمُعْجِزَةُ كُلِّ نَبِيٍّ انْقَرَضَتْ بِانْقِرَاضِهِ أَوْ دَخَلَهَا التَّغْيِيرُ وَالتَّبْدِيلُ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ.

وَمِنْ وُجُوهِ إعْجَازِ الْقُرْآنِ النَّظْمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>