السُّدِّيُّ فِي الْآيَةِ لَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌّ قَطُّ مِنْ لَدُنْ نُوحٍ إلَّا أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَهُ لَتُؤْمِنَنَّ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يَزَلْ يَتَقَدَّمُ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى آدَمَ فَمَنْ بَعْدَهُ وَلَمْ تَزَلْ الْأُمَمُ تَتَبَاشَرُ بِهِ وَتَسْتَفْتِحُ بِهِ، وَقَالَ أَيْضًا أَوْحَى اللَّهُ إلَى عِيسَى آمِنْ بِمُحَمَّدٍ وَمُرْ مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْ أُمَّتِك أَنْ يُؤْمِنَ فَلَوْلَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْت آدَمَ وَلَا الْجَنَّةَ وَلَا النَّارَ. قَالَ السُّبْكِيُّ: عَرَفْنَا بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ حُصُولَ الْكَمَالِ مِنْ قَبْلِ خَلْقِ آدَمَ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَأَنَّهُ أَعْطَاهُ النُّبُوَّةَ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ ثُمَّ أَخَذَ لَهُ الْمَوَاثِيقَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ لِيَعْلَمُوا أَنَّهُ الْمُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُ نَبِيُّهُمْ وَرَسُولُهُمْ وَفِي أَخْذِ الْمَوَاثِيقِ وَهِيَ فِي مَعْنَى الِاسْتِحْلَافِ وَلِذَلِكَ دَخَلَتْ لَامُ الْقَسَمِ فِي {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} [آل عمران: ٨١] لَطِيفَةٌ أُخْرَى وَهِيَ كَانَ إيمَانُ الْبَيْعَةِ الَّتِي تُؤْخَذُ لِلْخُلَفَاءِ أُخِذَتْ مِنْ هُنَا فَانْظُرْ هَذَا التَّعْظِيمَ الْعَظِيمَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ رَبِّهِ فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيُّ الْأَنْبِيَاءِ.
وَلِهَذَا ظَهَرَ فِي الْآخِرَةِ جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ تَحْتَ لِوَائِهِ، وَفِي الدُّنْيَا كَذَلِكَ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ صَلَّى بِهِمْ وَلَوْ اتَّفَقَ مَجِيئُهُ فِي زَمَنِ آدَمَ وَنُوحٍ، وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَجَبَ عَلَيْهِمْ فَنُبُوَّتُهُ عَلَيْهِمْ وَرِسَالَتُهُ إلَيْهِمْ مَعْنًى حَاصِلٌ لَهُ، وَإِنَّمَا أَمْرُهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى اجْتِمَاعِهِمْ بِهِ فَتَأَخُّرُ ذَلِكَ الْأَمْرِ رَاجِعٌ إلَى وُجُودِهِمْ لَا إلَى عَدَمِ اتِّصَافِهِ بِمَا يَقْتَضِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute