سُلِّمَ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى بَعْضِ التَّلْفِيقِ فَهُوَ لَا يَقْتَضِي مَنْعَ اعْتِبَارِ رِعَايَةِ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ وَمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ مَا الَّذِي يُلَامُ عَلَيْهِ أَوْ يُرَدُّ بِهِ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ الْكَمَالَ بَلَغَ رُتْبَةً مِنْ مَرَاتِبِ الِاجْتِهَادِ كَمَا قِيلَ فَيَكْفِي الِاسْتِنَادُ لِمَا قَالَهُ لَوْ لَمْ يَتَّضِحْ الدَّلِيلُ عَلَى مَا قَالَهُ فَكَيْفَ وَقَدْ اتَّضَحَ سِيَّمَا وَقَدْ بَانَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ التَّلْفِيقِ فِي شَيْءٍ تَفَضَّلُوا أَدَامَ اللَّهُ بِكُمْ إيضَاحَ الْعَوِيصَاتِ، وَإِجْلَاءَ الْمُدْلَهِمَّاتِ.
وَأَوْضِحُوا الْجَوَابَ بِالْبَسْطِ الشَّافِي وَالْأَدِلَّةِ الْوَاضِحَةِ فَإِنَّ جَمَاعَةً اسْتَفْتَوْا عَنْ ذَلِكَ الْمُفْتِي فَاخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ صَوَّبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ سَفَّهَهُ وَلَمْ يَزِدْ إلَّا تَمَادِيًا عَلَى مَقَالَتِهِ وَتَصْمِيمًا عَلَى مُنَاظَرَتِهِ زَاعِمًا أَنَّ كُلَّ مَنْ رَدَّ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا يَرُدُّ عَلَيْهِ بِالصَّدَدِ وَالتَّبَاهِي بِكَلَامِ مَنْ سَبَقَ فَمَنْ هُوَ مِثْلُ الْكَمَالِ وَمَقَامُهُ فَلَا يَكُونُ كَلَامُهُ حُجَّةً عَلَيْهِ وَلَهُ مِنْ هَذَا النَّحْوِ فِي الِاسْتِدْلَالِ الْمَجَالُ الْوَاسِعُ فَأَنْعِمُوا بِبَيَانِ الْحَقِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمُشْكِلَةِ مَعَ بَسْطِ الدَّلِيلِ وَالْمَنْقُولَاتِ الْمُوَافِقَةِ وَالْمُخَالِفَةِ فَيَتَبَيَّنُ لِذَلِكَ الْمُفْتِي صَوَابُ رَأْيِهِ أَوْ فَسَادُهُ فَلَعَلَّهُ يَرْجِعُ عَمَّا أَفْتَى بِهِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُسْتَبْشَعٌ إذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ لَنَا شَخْصٌ يَنْكِحُ الْأُخْتَيْنِ أَوْ يَنْكِحُ ثَمَانٍ إخْوَةً وَلَا يَسْمَحُ فَقِيهٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ أَدِلَّةَ ذَلِكَ الْمُفْتِي ظَاهِرَةٌ بِبَادِئِ الرَّأْيِ فِي الْحِلِّ فَتَفَضَّلُوا بِإِيضَاحِ الْحَقِّ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ الْمُفْتِي فِي فَتْوَاهُ الْمَذْكُورَةِ قَطْعًا لِمُخَالَفَتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: ٢٣] وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَقَدْ قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْمَحْصُولِ: شَرْطُ التَّقْلِيدِ أَنْ لَا يَفْعَلَ أَمْرًا يُجْمِعُ عَلَى إبْطَالِهِ إمَامُهُ الْأَوَّلُ وَإِمَامُهُ الثَّانِي. اهـ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ لِلتَّقْلِيدِ شُرُوطٌ أَحَدُهَا أَنْ لَا يَجْتَمِعَ فِي صُورَةٍ يَقَعُ الْإِجْمَاعُ عَلَى بُطْلَانِهَا. اهـ. وَجَوَابُ الْمُفْتِي عَمَّا ذُكِرَ مِنْ التَّلْفِيقِ بَاطِلٌ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ فِيهِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَلَيْسَتْ مَسْأَلَةُ مَنْ قَلَّدَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي نِكَاحِ امْرَأَةٍ بِلَا وَلِيٍّ وَالشَّافِعِيَّ فِي نِكَاحِ امْرَأَةٍ أُخْرَى هِيَ بِنْتُهُ مِنْ الزِّنَا نَظِيرَ مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ وَقَدْ رَأَيْت كَلَامَ ابْنِ الْهُمَامِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute