للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقِيراً

يترحم عليه في الغالب ويحنى، وقرأ عبد الله- إن يكن غني أو فقير- بالرفع على أن كان تامة، وجواب الشرط محذوف دل عليه قوله تعالى: فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما أي فلا تمتنعوا عن الشهادة على الغني طلبا لرضاه أو على الفقير شفقة عليه لأن الله تعالى أولى بالجنسين وأنظر لهما من سائر الناس، ولولا أن حق الشهادة مصلحة لهما لما شرعها فراعوا أمر الله تعالى فإنه أعلم بمصالح العباد منكم، وقرأ أبيّ «فالله أولى بهم» بضمير الجمع وهو شاهد على أن المراد جنسا الغني والفقير وأن ضمير التثنية ليس عائدا على الغني والفقير المذكورين لأن الحكم في الضمير العائد على المعطوف- بأو- الإفراد كما قيل: لأنها لأحد الشيئين أو الأشياء، وقيل: إن أَوِ بمعنى الواو، والضمير عائد إلى المذكورين، وحكي ذلك عن الأخفش، وقيل: إنها على بابها وهي هنا لتفصيل ما أبهم في الكلام، وذلك مبني على أن المراد بالشهادة ما يعم الشهادة للرجل والشهادة عليه، فكل من المشهود له والمشهود عليه يجوز أن يكون غنيا وأن يكون فقيرا فقد يكونان غنيين، وقد يكونان فقيرين، وقد يكون أحدهما فقيرا والآخر غنيا، فحيث لم تذكر الأقسام أتي- بأو- لتدل على ذلك، فضمير التثنية على المشهود له والمشهود عليه على أي وصف كانا عليه، وقيل: غير ذلك، وقال الرضي: الضمير الراجع إلى المذكور المتعدد الذي عطف بعضه على بعض- بأو- يجوز أن يوحد وأن يطابق المتعدد، وذلك يدور على القصد، فيجوز: جاءني زيد أو عمرو وذهب، أو وهما ذاهبان إلى المسجد، وعلى هذا لا حاجة إلى التوجيه لعدم صحة التثنية ووجوب الإفراد في مثل هذا الضمير، نعم قيل: إن الظاهر الإفراد دون التثنية، وإن جاز كل منهما فيحتاج العدول عن الظاهر إلى نكتة.

وادعى بعضهم أنها تعميم الأولوية ودفع توهم اختصاصها بواحد، فتأمل فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أي هوى أنفسكم أَنْ تَعْدِلُوا من العدول والميل عن الحق، أو من العدل مقابل الجور وهو في موضع المفعول له، إما للاتباع المنهي عنه أو للنهي، فالاحتمالات أربعة: الأول أن يكون بمعنى العدول وهو علة للمنهي عنه، فلا حاجة إلى تقدير، والثاني أن يكون بمعنى العدل وهو علة للمنهي عنه فيقدر مضاف أي كراهة أن تعدلوا، والثالث أن يكون بمعنى العدول وهو علة للنهي فيحتاج إلى التقدير كما في الاحتمال الثاني أي أنهاكم عن اتباع الهوى كراهة العدول عن الحق، والرابع أن يكون بمعنى العدل وهو علة للنهي فلا يحتاج إلى التقدير كما في الاحتمال الأول، أي أنهاكم عن اتباع الهوى للعدل وعدم الجور وَإِنْ تَلْوُوا ألسنتكم عن الشهادة بأن تأتوا بها على غير وجهها الذي تستحقه كما روي ذلك عن ابن زيد والضحاك، وحكي عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه وهو الظاهر، وقيل: اللي المطل في أدائها، ونسب إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

أَوْ تُعْرِضُوا أي تتركوا إقامتها رأسا وهو خطاب للشهود، وقيل: إن الخطاب للحكام، واللي الحكم بالباطل، والإعراض عدم الالتفات إلى أحد الخصمين، ونسب هذا إلى السدي، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أيضا، وقرأ حمزة وَإِنْ تَلْوُوا بضم اللام وواو ساكنة وهو من الولاية بمعنى مباشرة الشهادة، وقيل: إن أصله تلووا بواوين أيضا نقلت ضمة الواو بعد قلبها همزة، أو ابتداء إلى ما قبلها ثم حذفت لالتقاء الساكنين، وعلى هذا فالقراءتان بمعنى فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ من اللي والإعراض، أو من جميع الأعمال التي من جملتها ما ذكر خَبِيراً عالما مطلعا فيجازيكم على ذلك، وهو وعيد محض على القراءة الأولى، وعلى القراءة الأخيرة يحتمل أن يكون كذلك وأن يكون متضمنا للوعد، والآية كما أخرج ابن جرير عن السدي نزلت في النبي صلّى الله عليه وسلّم اختصم إليه رجلان غني وفقير فكان خلقه مع الفقير يرى أن الفقير لا يظلم الغني فأبى الله تعالى إلا أن يقول بالقسط في الغني والفقير، وهي متضمنة للشهادة على من ذكره الله تعالى، ولا تعرض فيها للشهادة لهم على ما هو الظاهر، وحملها

<<  <  ج: ص:  >  >>