أفراده وليس بشيء لأنه يريد أن المعنى حينئذ أن جميع أنواع التفريط منفية عن القرآن وهو مما لا شبهة فيه ولا يلزمه أن يذكر فيه كل شيء كما لزم على الوجه الآخر، وأيا ما كان فالجملة اعتراضية مقررة لمضمون ما قبلها فإن من جملة الأشياء أنه تعالى مراع لمصالح جميع مخلوقاته على ما ينبغي، وعن الحسن وقتادة أن المراد بالكتاب الكتاب الذي عند الله تعالى وهو مشتمل على ما كان ويكون وهو اللوح المحفوظ، والمراد بالاعتراض حينئذ الإشارة إلى أن أحوال الأمم مستقصاة هناك غير مقصورة على هذا القدر المجمل، وعن أبي مسلم أن المراد منه الأجل أي ما من شيء إلا وقد جعلنا له أجلا هو بالغه ولا يخفى بعده.
وقرأ علقمة «ما فرطنا» بالتخفيف وهو والمشدد بمعنى. وقال أبو العباس: معنى فرطنا المخفف أخرنا كما قالوا فرط الله تعالى عنك المرض أي أزاله ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ الضمير للأمم المذكورة في الكريم، وصيغة جمع العقلاء لإجرائها مجراهم والتعبير عنها بالأمم، وقيل: هو للأمم مطلقا وتكون صيغة الجمع للتغليب أي إلى مالك أمورهم لا إلى غيره يحشرون يوم القيامة فيجازيهم وينصف بعضهم من بعض حتى أنه سبحانه وتعالى يبلغ من عدله أن يأخذ للجماء من القرناء كما جاء في حديث صحيح رواه الشيخان.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن حشر الحيوانات موتها، ومراده رضي الله تعالى عنه- على ما قيل- إن قوله سبحانه وتعالى إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ مجموعه مستعار على سبيل التمثيل للموت كما
ورد في الحديث «من مات فقد قامت قيامته»
فلا يرد عليه أن الحشر بعث من مكان إلى آخر، وتعديته بإلى تنصيص على أنه لم يرد به الموت مع أن في الموت أيضا نقلا من الدنيا إلى الآخرة، نعم ما ذكره الجماعة أوفق بمقام تهويل الخطب وتفظيع الحال، هذا وفي رسالة المعاد لأبي علي قال المعترفون بالشريعة من أهل التناسخ: إن هذه الآية دليل عليه لأنه سبحانه قال: وَما مِنْ دَابَّةٍ إلخ، وفيه الحكم بأن الحيوانات الغير الناطقة أمثالنا وليسوا أمثالنا بالفعل فيتعين كونهم أمثالنا بالقوة لضرورة صدق هذا الحكم وعدم الواسطة بين الفعل والقوة، وحينئذ لا بد من القول بحلول النفس الإنسانية في شيء من تلك الحيوانات وهو التناسخ المطلوب.
ولا يخفى أنه دليل كاسد على مذهب فاسد، ومن الناس من جعلها دليلا على أن للحيوانات بأسرها نفوسا ناطقة كما لأفراد الإنسان، وإليه ذهب الصوفية وبعض الحكماء الإسلاميين. وأورد الشعراني في الجواهر والدرر لذلك أدلة غير ما ذكر، منها أنه صلّى الله عليه وسلّم لما هاجر وتعرض كل من الأنصار لزمام ناقته.
قال عليه الصلاة والسلام: «دعوها فإنها مأمورة»
ووجه الاستدلال بذلك أنه صلّى الله عليه وسلّم أخبر أن الناقة مأمورة ولا يعقل الأمر إلا من له نفس ناطقة، وإذا ثبت أن للناقة نفسا كذلك ثبت للغير إذ لا قائل بالفرق، ومنها ما يشاهد في النحل وصنعتها أقراص الشمع والعناكب واحتيالها لصيد الذباب والنمل وادخاره لقوته على وجه لا يفسد معه ما ادخره. وأورد بعضهم دليلا لذلك أيضا النملة التي كلمت سليمان عليه الصلاة والسلام بما قص الله تعالى لنا عنها مما لا يهتدي إلى ما فيه إلا العالمون وخوف الشاة من ذئب لم تشاهد فعله قبل فإن ذلك لا يكون إلا عن استدلال وهو شأن ذوي النفوس الناطقة، وعدم افتراس الأسد المعلم مثلا صاحبه فإن ذلك دليل على اعتقاد النفع ومعرفة الحسن وهو من شأن ذوي النفوس. وأغرب من هذا دعوى الصوفية.
ونقله الشعراني عن شيخه على الخواص قدس الله تعالى سره أن الحيوانات مخاطبة مكلفة من عند الله تعالى ومن حيث لا يشعر المحجوبون ثم قال: ويؤيده قوله تعالى: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ [فاطر: ٢٤] حيث نكر سبحانه وتعالى الأمة والنذير وهم من جملة الأمم.
ونقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كان يقول: جميع ما في الأمم فينا حتى أن فيهم ابن عباس