إلى الماء يسعى من يغص بلقمة ... إلى أين يسعى من يغص بماء
والزمخشري جعل الْمُتَّقُونَ أخص من المسلمين على الوجه الأول أيضا وهو أبلغ في نفي الولاية عن المذكورين أي لا يصلح لأن يلي أمر المسجد من ليس بمسلم وإنما يستأهل ولايته من كان برا تقيا فكيف بالكفرة عبدة الأوثان وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أن لا ولاية لهم عليه، وكأنه نبه سبحانه بذكر الأكثر على أن منهم من يعلم ذلك ولكن يجحده عنادا، وقد يراد بالأكثر الكل لأن له حكمه في كثير من الأحكام كما أن الأقل قد لا يعتبر فينزل منزلة العدم وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ أي المسجد الحرام الذي صدوا المسلمين عنه، والتعبير عنه بالبيت للاختصار مع الإشارة إلى أنه بيت الله تعالى فينبغي أن يعظم بالعبادة وهم لم يفعلوا إِلَّا مُكاءً أي صفيرا، وهو فعال بضم أوله كسائر أسماء الأصوات تجيء على فعال إلا ما شذ كالنداء من مكا يمكو إذا صفر، وقرىء مكا بالقصر كبكا وَتَصْدِيَةً أي تصفيقا، وهو ضرب اليد باليد بحيث يسمع له صوت، ووزنه تفعلة من الصد كما قال أبو عبيدة فحول إحدى الدالين ياء كما في تقضى البازي لتقضضه، ومن ذلك قوله تعالى: إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ [الزخرف: ٥٧] أي يضجون لمزيد تعجبهم، وأنكر عليه، وقيل: هو من الصدأ وهو ما يسمع من رجع الصوت عند جبل ونحوه، والمراد بالصلاة اما الدعاء أو أفعال أخر كانوا يفعلونها ويسمونها صلاة، وحمل المكاء والتصدية عليها على ما يشير إليه كلام الراغب بتأويل ذلك بأنها لا فائدة فيها ولا معنى لها كصفير الطيور وتصفيق اللعب. وقد يقال: المراد أنهم وضعوا المكاء والتصدية موضع الصلاة التي تليق أن تقع عند البيت على حد:
تحية بينهم ضرب وجيع يروى أنهم كانوا إذا أرادوا النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يصلي يخلطون عليه بالصفير والتصفيق ويرون أنهم يصلون أيضا.
وروي أنهم كانوا يطوفون عراة الرجال والنساء مشبكين بين أصابعهم يصفرون فيها ويصفقون. وقال بعض القائلين: إن التصدية بمعنى الصد، والمراد صدهم عن القراءة أو عن الدين أو الصد بمعنى الضجة كما نقل عن ابن يعيش في قوله تعالى: إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ والمأثور عن ابن عباس وجمع من السلف ما ذكرناه.
نعم روي عن ابن جبير: تفسير التصدية بصد الناس عن المسجد الحرام، وفيه بعد، وأبعد من ذلك تفسير عكرمة لها بالطواف على الشمال بل لا يكاد يسلم، والجملة معطوفة إما على وَهُمْ يَصُدُّونَ فتكون لتقرير استحقاقهم للعذاب ببيان أنهم صدوا ولم يقوموا مقام من صدوه في تعظيم البيت، أو على وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ فتكون تقرير لعدم استحقاقهم لولايته. وقرأ الأعمش. «صلاتهم» بالنصب وهي رواية عن عاصم. وأبان، وهو حينئذ خبر كان ومكاء بالرفع اسمها، وفي ذلك الإخبار عن النكرة بالمعرفة وهو من القلب عند السكاكي، وقال ابن جني: لا قلب ثم قال: لسنا ندفع أن جعل اسم كان نكرة وخبرها معرفة قبيح وإنما جاءت منه أبيات شاذة لكن من وراء ذلك ما أذكره، وهو أن نكرة الجنس تفيد مفاد معرفته. ألا تراك تقول: خرجت فإذا أسد بالباب، فتجد معناه فإذا الأسد بالباب ولا فرق بينهما، وذلك أنك في الموضعين لا تريد أسدا واحدا معينا وإنّما تريد، واحدا من هذا الجنس، وإذا كان كذلك جاز هنا النصب والرفع جوازا قريبا كأنه قيل: وما كان صلاتهم إلا هذا الجنس من الفعل ولا يكون مثل قولك: كان قائم أخاك، لأنه ليس في قائم معنى الجنسية. وأيضا فإنه يجوز مع النفي ما لا يجوز مع الإيجاب. ألا تراك تقول: ما كان إنسان خيرا منك ولا تجيز كان إنسان خيرا منك، وتمام الكلام عليه في موضعه فَذُوقُوا الْعَذابَ يعني القتل والأسر يوم بدر كما روي عن الحسن. والضحاك، وقيل: عذاب الآخرة، وقيل: العذاب المعهود في قوله سبحانه: أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ [الأنفال: ٣٢] ولا تعيين، والباء في قوله تعالى: بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ للسببية، والفاء على تقدير أن لا