للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان يقوم على جمل في الموسم فينادي بأعلى صوته إن آلهتكم قد أحلت لكم المحرم فأحلوه ثم يقوم في العام القابل فيقول: إن آلهتكم قد حرمت عليكم المحرم فحرموه، وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كانت النساءة حيّ من بني مالك بن كنانة وكان آخرهم رجلا يقال له القلمس وهو الذي أنسأ المحرم وكان ملكا في قومه وأنشد شاعرهم:

ومنا ناسىء الشهر القلمس وقال الكميت:

ونحن الناسئون على معد ... شهور الحل نجعلها حراما

وفي رواية أخرى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن أول من سن النسيء عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف. والجملتان تفسير للضلال فلا محل لهما من الاعراب، وجوز أن تكونا في محل نصب على أنهما حال من الموصول والعامل عامله لِيُواطِؤُا أي ليوافقوا، وقرأ الزهري «ليوطّئوا» بالتشديد عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ من الأشهر الأربعة، واللام متعلقة بيحرمونه أي يحرمونه لأجل موافقة ذلك أو بما دل عليه مجموع الفعلين أي فعلوا ما فعلوا لأجل الموافقة، وجعله بعضهم من التنازع فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ بخصوصه من الأشهر المعينة، والحاصل أنه كان الواجب عليهم العدة والتخصيص فحيث تركوا التخصيص فقد استحلوا ما حرم الله تعالى زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وقرىء على البناء للفاعل وهو الله تعالى أي جعل أعمالهم مشتهاة للطبع محبوبة للنفس، وقيل: خذلهم حتى رأوا حسنا ما ليس بالحسن، وقيل: المزين هو الشيطان وذلك بالوسوسة والإغواء بالمقدمات الشعرية وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ هداية موصلة للمطلوب البتة وإنما يهديهم إلى ما يوصل إليه عند سلوكه وهم قد صدوا عنه بسوء اختيارهم فتاهوا في تيه الضلال، والمراد من الكافرين إما المتقدمون ففيه وضع الظاهر موضع الضمير أو الأعم ويدخلون فيه دخولا أوليا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عود إلى ترغيب المؤمنين وحثهم على المقاتلة بعد ذكر طرف من فضائح أعدائهم ما لَكُمْ استفهام فيه معنى الإنكار والتوبيخ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي اخرجوا للجهاد، وأصل النفر على ما قيل الخروج لأمر أوجب ذلك اثَّاقَلْتُمْ أي تباطأتم ولم تسرعوا وأصله تثاقلتم وبه قرأ الأعمش فادغمت التاء في الثاء واجتلبت همزة الوصل للتوصل إلى الابتداء بالساكن ونظيره قول الشاعر:

تؤتي الضجيع إذا ما اشتاقها خفرا ... عذب المذاق إذا ما أتابع القبل

وبه تتعلق إِذا والجملة في موضع الحال، والفعل ماض لفظا مضارع معنى أي ما لكم متثاقلين حين قال لكم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انفروا، وجوز أن يكون العامل في إِذا الاستقرار المقدر في لَكُمْ أو معنى الفعل المدلول عليه بذلك أي أي شيء حاصل أو حصل لكم أو ما تصنعون حين قيل لكم انفروا، وقرىء «أثاقلتم» بفتح الهمزة على أنها للاستفهام الانكاري التوبيخي وهمزة الوصل سقطت في الدرج، وعلى هذه القراءة لا يصلح تعلق إِذا بهذا الفعل لأن الاستفهام له الصدارة فلا يتقدم معموله عليه، ولعل من يقول يتوسع في الظرف ما لا يتوسع في غيره يجوز ذلك، وقوله سبحانه: إِلَى الْأَرْضِ متعلق باثاقلتم على تضمينه معنى الميل والإخلاد ولولاه لم يعدّ بإلى، أي اثاقلتم مائلين إلى الدنيا وشهواتها الفانية عما قليل وكرهتم مشاق الجهاد ومتاعبه المستتبعة للراحة الخالدة والحياة الباقية أو إلى الإقامة بأرضكم ودياركم والأول أبلغ في الإنكار والتوبيخ ورجح الثاني بأنه أبعد عن توهم شائبة التكرار في الآية، وكان هذا التثاقل في غزوة تبوك وكانت في رجب سنة تسع فإنه صلّى الله عليه وسلّم بعد أن رجع من الطائف أقام بالمدينة قليلا ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>