للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرأ مجاهد «يدعو» بالياء آخر الحروف أي يدعو الله تعالى أو الملك، والحسن في رواية «يدعى» بالبناء للمفعول ورفع كُلَّ على النيابة عن الفاعل، وفي رواية أخرى «يدعوا» بضم الياء وفتح العين بعدها واو ورفع كُلَّ وخرجت على وجهين فإن الظاهر يدعون بإثبات النون التي هي علامة الرفع الأول إن الواو ليست ضمير جمع ولا علامته وإنما هي حرف من نفس الكلمة وكانت ألفا والأصل يدعى كما في القراءة الأخرى وقلبت الألف واوا على لغة من يقول في أفعى وهي الحية أفعو، وهذه اللغة مخصوصة بالوقف على المشهور فيكون قد أجري هنا الوصل مجرى الوقف. ونقل عن سيبويه أن قلب الألف في الآخر واوا لغة مطلقا، والثاني أن الواو ضمير أو علامة كما في يتعاقبون فيكم ملائكة والنون محذوفة كما في

قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تؤمنوا حتى تحابوا وكما تكونوا يولّى عليكم»

في قول، وكذا في قول الشاعر:

أبيت أسرى وتبيتي تدلكي ... وجهك بالعنبر والمسك الذكي

وكأنها لكونها علامة إعراب عوملت معاملة حركته في إظهارها تارة وتقديرها أخرى، ولا فرق في كونها علامة إعراب بين أن تكون الواو ضميرا وأن تكون علامة جمع على الصحيح، والظاهر أن حذفها في مثل ما ذكر شاذ لا ضرورة وإلا فلا يصح هذا التخريج في الآية، وفي توجيه رفع كُلَّ على هذه القراءة الأقوال في توجيه الرفع في أمثاله وهي مشهورة في كتب النحو فَمَنْ أُوتِيَ يومئذ من أولئك المدعوين كِتابَهُ صحيفة أعمالهم والله سبحانه أعلم بحقيقتها بِيَمِينِهِ إبانة لخطر الكتاب المؤتى وتشريفا لصاحبه وتبشيرا له من أول الأمر بما في مطاويه فَأُولئِكَ إشارة إلى من باعتبار معناه وكأنه أشير بذلك إلى أنهم حزب مجتمعون على شأن جليل، وقيل فيه إشعار بأن قراءتهم لكتبهم على وجه الاجتماع لا على وجه الانفراد كما في حال الإيتاء، وأكثر الأخبار ظاهرة في أن حال القراءة كحال الإيتاء، نعم جاء من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنه يؤتى العبد كتابه بيمينه فيقرأ سيئاته ويقرأ الناس حسناته ثم يحول الصحيفة فيعول الله تعالى حسناته فيقرؤها الناس فيقولون ما كان لهذا العبد من سيئة.

ويحتمل أن يكون كل من يؤتى كتابه بيمينه بعد أن يقرأه منفردا يأتي أصحابه ويقول هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ [الحاقة: ١٩] فيجتمعون عليه ويقرؤونه ويقرؤه هو أيضا معهم تلذذا به لكن لم نجد في ذلك أثرا ومع هذا لا يجدي نفعا فيما أراد القائل، وفي إلحاق اسم الإشارة علامة البعد إشارة إلى رفعة درجات المشار إليهم أي أولئك المختصون بتلك الكرامة التي يشعر بها إيتاء الكتاب باليمين يَقْرَؤُنَ ولو لم يكونوا قارئين في الدنيا كِتابَهُمْ الذي أوتوه باليمين ليذكروا أعمالهم ويقفوا على تفاصيلها فيحاسبوا عليها. وقيل يقرؤونه تبجحا بما سطر فيه من الحسنات المستتبعة لفنون الكرامات، والإظهار في مقام الإضمار لمزيد الاعتناء وَلا يُظْلَمُونَ أي لا ينقصون من أجور أعمالهم المرتسمة في كتبهم بل يؤتونها مضاعفة فَتِيلًا أي قدر فتيل وهو القشر الذي في شق النواة سمي بذلك لأنه على هيئة الشيء المفتول، وقيل هو ما تفتله بين أصابعك من خيط أو وسخ ويضرب به المثل في الشيء الحقير، ثم إن الذي يسرع إلى الذهن أن فاعل الإيتاء الملائكة عليهم السلام يعطون السعيد بعد أن يدعى كتابه بيمينه فيقرؤه فيحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا.

لكن

أخرج العقيلي عن أنس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «الكتب كلها تحت العرش فإذا كان يوم القيامة يبعث الله تعالى ريحا فتطيرها إلى الأيمان والشمائل وأول خط فيها اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً

[الإسراء:

١٤] وهو ظاهر في أن فاعل الإيتاء ليس الملك إلا أن الخبر يحتاج إلى تنقير فإني لست من صحته على يقين.

نعم

جاء في حديث أخرجه الإمام أحمد عن عائشة الصديقة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: «قلت يا رسول الله

<<  <  ج: ص:  >  >>