للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتكون إذا واقعة بين المبتدأ وخبره ولذلك ألغيت وكلا التوجيهين ليس بوجيه كما لا يخفى.

سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا نصب على المصدرية أي سننّا سنة من إلخ وهي أن لا ندع أمة تستفز رسولها لتخرجه من بين ظهرانيها تلبث بعده إلا قليلا فالسنة لله عز وجل وأضيفت للرسل عليهم السلام لأنها سنت لأجلهم، ويدل على ذلك قوله سبحانه وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا حيث أضاف السنة إليه تعالى، وقال الفراء:

انتصب سُنَّةَ على إسقاط الخافض أي كسنة فلا يوقف على قوله تعالى: قَلِيلًا فالمراد تشبيه حاله صلّى الله عليه وسلّم بحال من قبله لا تشبيه الفرد بفرد من ذلك النوع وجوز أبو البقاء أن يكون مفعولا به لفعل محذوف أي اتبع سنة إلخ كما قال سبحانه فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: ٩٠] والأنسب بما قبل ما قبل، وكأنه اعتبر الأوامر بعد وهو خلاف ما عليه عامة المفسرين، والتحويل التغيير أي لا تجد لما أجرينا به العادة تغييرا أي لا يغيره أحد.

والمراد من نفي الوجدان هنا وفيما أشبهه نفي الوجود ودليل نفي وجود من يغير عادة الله تعالى أظهر من الشمس في رابعة النهار، وللإمام كلام في هذا المقام لا يخلو عن بحث، ثم أنه تعالى بعد أن ذكر كيد الكفار وسلى نبيه عليه الصلاة والسلام بما سلى أمره أن يقبل على شأنه من عبادة ربه تعالى شأنه ووعده بما يغبطه عليه كل الخلق ويتضمن ذلك إرشاده إلى أن لا يشغل قلبه بهم أو أنه سبحانه بعد أن قدم القول في الإلهيات والمعاد والنبوات أمر بأشرف العبادات بعد الإيمان وهي الصلاة فقال جل وعلا أَقِمِ الصَّلاةَ أي المفروضة

لِدُلُوكِ الشَّمْسِ أي لزوالها عن دائرة نصف النهار وهو المروي عن عمر بن الخطاب وابنه وابن عباس في رواية، وأنس وأبي برزة الأسلمي والحسن والشعبي وعطاء ومجاهد، ورواه الإمامية عن أبي جعفر. وأبي عبد الله رضي الله تعالى عنهما

وخلق آخرين،

وأخرج ابن جرير. وإسحاق بن راهويه في مسنده وابن مردويه في تفسيره. والبيهقي في المعرفة عن أبي مسعود عقبة بن عامر قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتاني جبريل عليه السلام لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر

،

وقيل لغروبها (١) وهو المروي عندنا عن علي كرم الله تعالى وجهه

، وأخرجه ابن مردويه والطبراني والحاكم وصححه، وغيرهم عن ابن مسعود، وابن المنذر وغيره عن ابن مسعود، وروى عن زيد بن أسلم والنخعي والضحاك والسدي، وإليه ذهب الفراء وابن قتيبة، وأنشد لذي الرمة:

مصابيح ليست باللواتي يقودها ... نجوم ولا بالأفلاك الدوالك

وأصل مادة د ل ك تدل على الانتقال ففي الزوال انتقال من دائرة نصف النهار إلى ما يليها وفي الغروب انتقال من دائرة الأفق إلى ما تحتها وكذا في الدلك المعروف انتقال اليد من محل إلى آخر بل كل ما أوله دال ولام مع قطع النظر عن آخره يدل على ذلك كدلج بالجيم من الدلجة وهي سير الليل وكذا دلج بالدلو إذا مشى بها من رأس البئر للمصب ودلح بالحاء المهملة إذا مشى مشيا متثاقلا ودلع بالعين المهملة إذا أخرج لسانه ودلف بالفاء إذا مشى مشية المقيد وبالقاف إذا أخرج المائع من مقره ووله إذا ذهب عقله وفيه انتقال معنوي إلى غير ذلك، وهذا المعنى يشمل كلا المعنيين السابقين وإن قيل إن الانتقال في الغروب أتم لأنه انتقال من مكان إلى مكان ومن ظهور إلى خفاء وليس في الزوال إلا الأول، وقيل إن الدلوك مصدر مزيد مأخوذ من المصدر المجرد أعني الدلك المعروف وهو أظهر في الزوال لأن من نظر إلى الشمس حينئذ يدلك عينه ويكون على هذا في دلوك الشمس تجوز عن دلوك ناظرها، وقد يستأنس في ترجيح القول الأول مع ما سبق بأن أول صلاة صلاها النبي صلّى الله عليه وسلّم نهار ليلة الإسراء الظهر، وقد صح أن


(١) أخرجه ابن أبي شيبة، وابن المنذر وابن أبي حاتم اه منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>