للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضمير مؤنث، ولا فرق بين حقيقيه ومجازيه فالتركيب نظير قولك: طلع الشمس وأشرقت وقال: إن عبد الله قرأ «كل الجنتين آتي أكله» فذكر وأعاد الضمير على كل.

وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ أي لم تنقص من أكلها شَيْئاً من النقص على خلاف ما يعهد في سائر البساتين فإن الثمار غالبا تكثر في عام وتقل في عام وكذا بعض الأشجار تأتي بالثمار في بعض الأعوام دون بعض، وجوز أن يكون تَظْلِمْ متعديا وشَيْئاً مفعوله والمآل واحد وَفَجَّرْنا خِلالَهُما أي فيما بين كلتا الجنتين نَهَراً ليدوم شربهما ويزيد بهاؤهما، قال يحيى بن أبي عمرو الشيباني: وهذا النهر هو النهر هو المسمى بنهر أبي فرطس وهو على ما قال ابن أبي حاتم نهر مشهور في الرملة، وقيل المعنى فجرنا فيما بين كل من الجنتين نهرا على حدة فيكون هناك نهران على هذا ولا يخفى أنه خلاف الظاهر، وتشديد فجر قيل للمبالغة في سعة التفجير، وقال الفراء: لأن النهر ممتد فكأنه أنهار.

وقرأ الأعمش وسلام ويعقوب وعيسى بن عمر «فجرنا» بالتخفيف على الأصل، وقرأ أبو السمال والعياض بن غزوان وطلحة بن سليمان «نهرا» بسكون الهاء وهو لغة جارية فيه وفي نظائره، ولعل تأخير ذكر التفجير عن ذكر الإيتاء مع أن الترتيب الخارجي على العكس للإيذان باستقلال كل من إيتاء الأكل وتفجير النهر في تكميل محاسن الجنتين كما في قصة البقرة ونحوها ولو عكس لا نفهم أن المجموع خصلة واحدة بعضها مترتب على بعض فإن إيتاء الأكل متفرع على السقي عادة، وفيه إيماء إلى أن إيتاء الأكل لا يتوقف على السقي كقوله تعالى: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ [النور: ٣٥] قاله شيخ الإسلام وَكانَ لَهُ أي للأحد المذكور وهو صاحب الجنتين ثَمَرٌ أنواع المال كما في القاموس. وغيره ويقال: ثمر إذا تمول، وحمله على حمل الشجر كما فعل أبو حيان وغيره غير مناسب للنظم.

وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن عامر وحمزة والكسائي وابن كثير ونافع وقراء المدينة «ثمر» بضم الثاء والميم، وكذا في «بثمره» الآتي وهو جمع ثمار بكسر الثاء جمع ثمر بفتحتين فهو جمع الجمع ومعناه على نحو ما تقدم أي أموال كثيرة من الذهب والفضة والحيوان وغيرها، وبذلك فسره ابن عباس وقتادة وغيرهما، وقال مجاهد يراد به الذهب والفضة خاصة، وقرأ الأعمش وأبو رجاء وأبو عمرو بضم الثاء وإسكان الميم تخفيفا هنا وفيما بعد والمعنى على ما سمعت، وقرأ أبو رجاء في رواية «ثمر» بالفتح والسكون.

وفي مصحف أبي وحمل على التفسير «وآتيناه ثمرا كثيرا» فَقالَ لِصاحِبِهِ المؤمن، والمراد بالصاحب المعنى اللغوي فلا ينافي هذا العنوان القول بأنهما كانا أخوين خلافا لمن وهم وَهُوَ أي القائل يُحاوِرُهُ أي يحاور صاحبه فالجملة في موضع الحال من القائل، والمحاورة مراجعة الكلام من حار إذا رجع أي يراجعه الكلام في إنكاره البعث وإشراكه بالله تعالى، وجوز أن تكون الجملة حالا من صاحبه فضمير هُوَ عائد عليه وضمير صاحبه عائد على القائل أي والصاحب المؤمن يراجع بالوعظ والدعوة إلى الله عز وجل ذلك الكافر القائل له أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالًا وَأَعَزُّ نَفَراً حشما وأعوانا، وقيل: أولادا ذكورا، وروي ذلك عن قتادة ومقاتل، وأيد بمقابلته- بأقل منك مالا وولدا- وتخصيص الذكور لأنهم الذين ينفرون معه لمصالحه ومعاونته، وقيل: عشيرة ومن شأنهم أنهم ينفرون مع من هو منهم، واستدل بذلك على أنه لم يكن أخاه لأن العشيرة مشتركة بينهما وملتزم الأخوة لا يفسر بذلك، ونصب مالًا ونَفَراً على التمييز وهو على ما قيل محول عن المبتدأ، والظاهر أن المراد من أفعل التفضيل معناه الحقيقي وحينئذ يرد بذلك ما في بعض الروايات من أن الأخ المؤمن بقي بعد التصدق بماله فقيرا محتاجا فسأل أخاه الكافر ولم يعطه ووبخه على التصدق وَدَخَلَ جَنَّتَهُ أي كل ما هو جنة له يتمتع بها بناء على أن الإضافة للاستغراق والعموم فتفيد ما أفادته التثنية مع زيادة وهي الإشارة إلى أنه لا جنة له غير ذلك ولا حظ له في الجنة التي وعد المتقون وإلى هذا ذهب

<<  <  ج: ص:  >  >>