للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المساواة خيال واه، وقيل خلقك منه لأنه أصل مادتك إذ ماء الرجل يتولد من أغذية راجعة إلى التراب فالإسناد مجاز من إسناد ما للسبب إلى المسبب فتدبر.

ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ هي مادتك القريبة فالمخلوق واحد والمبدأ متعدد، ونقل أنه ما من نطفة قدر الله تعالى أن يخلق منها بشرا إلا وملك موكل بها يلقي فيها قليلا من تراب ثم يخلق الله تعالى منها ما شاء من ذكر أو أنثى.

وتعقبه في البحر بأنه يحتاج إلى ثبوت صحته، وأنا أقول: غالب ظني أني وقفت على تصحيحه لكن في تخريج الآية عليه كلام لا يخفى ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا عدلك وكملك إنسانا ذكرا وأصل معنى التسوية جعل الشيء سواء أي مستويا كما فيما تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ [النساء: ٤٢] ثم إنه يستعمل تارة بمعنى الخلق والإيجاد كما في قوله تعالى وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها [الشمس: ٦] فإذا قرن بالخلق والإيجاد كما هنا فالمراد به الخلق على أتم حال وأعدله حسبما تقتضيه الحكمة بدون إفراط ولا تفريط، ونصب رَجُلًا على ما قال أبو حيان على الحال وهو محوج إلى التأويل.

وقال الحوفي: نصب على أنه مفعول ثان لسوى، والمراد ثم جعلك رجلا، وفيه على ما قيل تذكير بنعمة الرجولية أي جعلك ذكرا ولم يجعلك أنثى.

والظاهر أن نسبة الكفر بالله تعالى إليه لشكه في البعث وقوله ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً والشاك في البعث كما في الكشف كافر من أوجه الشك في قدرته تعالى وفي أخباره سبحانه الصدق وفي حكمته ألا ترى إلى قوله عز وجل أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون: ١١٥] وهذا هو الذي يقتضيه السياق لأن قوله أَكَفَرْتَ إلخ وقع ردا لقوله ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً ولذلك رتب الإنكار بخلقه من تراب ثم من نطفة الملوح بدليل البعث وعليه أكثر المفسرين ونوقشوا فيه.

وقال بعضهم: الظاهر أنه كان مشركا كما يدل عليه قول صاحبه تعريضا به لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً وقوله يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً وليس في قوله لَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي ما ينافيه لأنه على زعم صاحبه كما مر مع أن الإقرار بالربوبية لا ينافي الإشراك فعبدة الأصنام مقرون بها وهم مشركون فالمراد بقوله أَكَفَرْتَ أأشركت اه، وسيأتي إن شاء الله تعالى بعض ما يتعلق به.

وقرأ ثابت البناني وحمل ذلك على التفسير كنظائره المتقدمة ويلك أكفرت لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي أصله لكن أنا وقد قرأ به أبي والحسن، وحكى ابن عطية ذلك عن ابن مسعود فنقل حركة همزة أنا إلى نون لكن فحذفت الهمزة ثم حذفت الحركة ثم أدغمت النون في النون، وقيل حذفت الهمزة مع حركتها ثم أدغم أحد المثلين في الآخر وهو أقرب مسافة إلا أن الحذف المذكور على خلاف القياس، وقد جاء الحذف والإدغام في قوله:

وترمينني بالطرف أي أنت مذنب ... وتقلينني لكنّ إياك لا أقلي

فإنه أراد لكن أنا لا أقليك، وهو أولى من جعلهم التقدير لكنه إياك على حذف ضمير الشأن، وأبعد منه جعل الأصل لكنني إياك على حذف اسم لكن كما في قوله:

فلو كنت ضبيّا عرفت قرابتي ... ولكن زنجيّ عظيم المشافر

أي لكنك مع نون الوقاية، وبإثبات الألف آخرا في الوقف وحذفها في الوصل كما هو الأصل في أنا وقفا ووصلا قرأ الكوفيون وأبو عمرو وابن كثير ونافع في رواية ورش وقالون، وأبدلها هاء في الوقف أبو عمرو في رواية فقال «لكنه» ذكره ابن خالويه، وقال ابن عطية: روى هارون عن أبي عمرو «لكنه هو الله ربي» بضمير لحق لكن.

وقرأ ابن عامر وزيد بن علي والحسن والزهري بإثبات الألف وقفا ووصلا وهو رواية عن نافع ويعقوب وأبي

<<  <  ج: ص:  >  >>