للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ربك في حكمه تعالى كما قيل به، وقرأ ابن عامر وابن كثير وأبو عمرو والحسن وشبل وقتادة وعيسى والزهري وحميد وطلحة واليزيدي والزبيري عن رجاله عن يعقوب «تسير الجبال» برفع الجبال وبناء تسير بالتاء ثالثة الحروف للمفعول جريا على سنن الكبرياء وإيذانا بالاستغناء عن الإسناد إلى الفاعل لتعينه، وعن الحسن أنه قرأ كذلك إلا أنه جاء بالياء آخر الحروف بدل التاء، وقرأ أبي سيرت الجبال بالماضي المبني للمفعول ورفع الجبال، وقرأ ابن محيصن ومحبوب عن أبي عمرو «تسير الجبال» بالمضارع المفتتح بالتاء المثناة من فوق المبني للفاعل ورفع الجبال وَتَرَى الْأَرْضَ خطاب لسيد المخاطبين صلّى الله عليه وسلّم أو لكل أحد ممن يتأتى منه الرؤية أي وترى جميع جوانب الأرض بارِزَةً بادية ظاهرة أما ظهور ما كان منها تحت الجبال فظاهر، وأما ما عداه فكانت الجبال تحول بينه وبين الناظر قبل ذلك أو تراها بارزة لذهاب جميع ما عليها من الجبال والبحار والعمران والأشجار وإنما اقتصر على زوال الجبال لأنه يعلم منه زوال ذلك بطريق الأولى، وقيل: إسناد البروز إلى الأرض مجاز، والمراد ترى أهل الأرض بارزين من بطنها وهو خلاف الظاهر.

وقرأ عيسى «وترى الأرض» ببناء الفعل للمفعول ورفع الأرض وَحَشَرْناهُمْ أي جمعناهم إلى الموقف من كل أوب بعد أن أقمناهم من قبورهم ولم يذكر لظهور إرادته، وعلى ما قيل يكون ذلك مذكورا، وإيثار الماضي بعد «نسير» و «ترى» للدلالة على تحقق الحشر المتفرع على البعث الذي ينكره المنكرون وعليه يدور أمر الجزاء وكذا الكلام فيما عطف عليه منفيا وموجبا، وقال الزمخشري: هو للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير والبروز ليعاينوا تلك الأهوال والعظائم كأنه قيل وحشرناهم قبل ذلك اه. واعترض بأن في بعض الآيات مع الأخبار ما يدل على أن التسيير والبروز عند النفخة الأولى وفساد نظام العالم والحشر وما عطف عليه عند النفخة الثانية فلا ينبغي حمل الآية على معنى وحشرناهم قبل ذلك لئلا تخالف غيرها فليتأمل، ثم لا يخفى أن التعبير بالماضي على الأول مجاز وعلى هذا حقيقة لأن المضي والاستقبال بالنظر إلى الحكم المقارن له لا بالنسبة لزمان التكلم، والجملة عليه كما في الكشف وغيره تحتمل العطف والحالية من فاعل نُسَيِّرُ. وقال أبو حيان: الأولى جعلها حالا على هذا القول، وأوجبه بعضهم وعلله بأنها لو كانت معطوفة لم يكن مضى بالنسبة إلى التسيير والبروز بل إلى زمان التكلم فيحتاج إلى التأويل الأول، ثم قال: وتحقيقه أن صيغ الأفعال موضوعة لأزمنة التكلم إذا كانت مطلقة فإذا جعلت قيودا لما يدل على زمان كان مضيها وغيره بالنسبة إلى زمانه اه وليس بشيء، والحق عدم الوجوب، وتحقيق ذلك أن الجمل التي ظاهرها التعاطف يجوز فيها التوافق والتخالف في الزمان فإذا كان في الواقع كذلك فلا خفاء فيه وإن لم يكن فلا بد للعدول من وجه، فإن كان أحدهما قيدا للآخر وهو ماض بالنسبة إليه فهو حقيقة ووجهه ما ذكر ولا تكون الجملة معطوفة حينئذ، فإن عطفت وجعل المضي بالنسبة لأحد المتعاطفين فلا مانع منه وهل هو حقيقة أو مجاز محل تردد، والذي يحكم به الإنصاف اختيار قول أبي حيان من أولوية الحالية على ذلك، والقول بأنه لا وجه له لا وجه له، وحينئذ يقدر قد عند الأكثرين أي وقد حشرناهم فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً أي لم نترك، يقال غادره وأغدره إذا تركه ومنه الغدر الذي هو ترك الوفاء، والغدير الذي هو ماء يتركه السيل في الأرض. وقرىء «يغادر» بالياء التحتية على أن الضمير لله تعالى على طريق الالتفات.

وقرأ قتادة «تغادر» بالتاء الفوقية على أن الضمير للأرض كما في قوله تعالى: وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ [الانشقاق: ٤] وجوز أبو حيان كونه للقدرة، وقرأ أبان بن يزيد عن عاصم كذلك أو بفتح الدال مبنيا للمفعول ورفع «أحد» على النيابة عن الفاعل، وقرأ الضحاك «نغدر» بضم النون وإسكان الغين وكسر الدال عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ

أحضروا محل حكمه وقضائه عز وجل فيهم فًّا

مصطفين أو مصفوفين.

فقد أخرج ابن منده في التوحيد عن معاذ بن جبل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله تعالى ينادي يوم القيامة يا عبادي

<<  <  ج: ص:  >  >>