للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مردويه في الرواية عنه رضي الله تعالى عنه تفسير الصغيرة بالتبسم والكبيرة بالضحك ويندفع استشكال بعض الفضلاء ذلك ويعلم منه أن الضحك على الناس من الذنوب.

وعن عبد الله بن زمعة رضي الله تعالى عنه أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب ويعظهم في ضحكهم من الريح الخارج بصوت وقال: علام يضحك أحدكم مما يفعل؟

بل ذكر بعض علمائنا أن من الضحك ما يكفر به الضاحك كالضحك على كلمة كفر، وقيده بعضهم بما إذا قدر على أن يملك نفسه وإلا فلا يكفر، وتمام الكلام في ذلك في محله، وكان الظاهر لا يغادر كبيرة ولا صغيرة بناء على ما قالوا من أن الترقي في الإثبات يكون من الأدنى إلى الأعلى وفي النفي على عكس ذلك إذ لا يلزم من فعل الأدنى فعل الأعلى بخلاف النفي لكن قال المحققون: هذا إذا كان على ظاهره فإن كان كناية عن العموم كما هنا وقولك ما أعطاني قليلا ولا كثيرا جاز تقديم الأدنى على الأعلى في النفي كما فصله ابن الأثير في المثل السائر، وفي البحر قدمت الصغيرة اهتماما بها، وروي عن الفضيل أنه كان إذا قرأ الآية قال:

ضجوا والله من الصغائر قبل الكبائر، وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة أنه قال في الآية: اشتكى القوم كما تسمعون الإحصاء ولم يشتك أحد ظلما فإياكم والمحقرات من الذنوب فإنها تجمع على صاحبها حتى تهلكه.

وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا في الدنيا من السيئات أو جزاء ذلك حاضِراً مسطورا في كتاب كل منهم أو عتيدا بين أيديهم نقدا غير مؤجل، واختير المعنى الأخير وإن كان فيه ارتكاب خلاف الظاهر لأن الكلام عليه تأسيس محض وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً بما لم يعمله أي منهم أو منهم ومن غيرهم، والمراد أنه عز وجل لا يتجاوز الحد الذي حده في الثواب والعقاب وإن لم يجب ذلك عليه تعالى عقلا، وتحقيقه أنه تعالى وعد بإثابة المطيع والزيادة في ثوابه وبتعذيب العاصي بمقدار جرمه من غير زيادة وأنه قد يغفر له ما سوى الكفر وأنه لا يعذب بغير جناية فهو سبحانه وتعالى لا يجاوز الحد الذي حده ولا يخالف ما جرت عليه سنته الإلهية فلا يعذب أحدا بما لم يعمله ولا ينقص ثواب ما عمله مما أمر به وارتضاه ولا يزيد في عقابه الملائم لعمله الذي نهي عنه ولم يرتضه، وهذا مما أجمع عليه المسلمون وإن اختلفوا في أن امتناع وقوع ما نفي هل هو سمعي أو عقلي فذهب إلى الأول أهل السنة وإلى الثاني المعتزلة، وهل تسمية تلك المجاوزة ظلما حقيقة أم لا؟ قال الخفاجي: الظاهر أنها حقيقة، وعليه لا حاجة إلى أن يقال: المراد بالآية أنه سبحانه لا يفعل بأحد ما يكون ظلما لو صدر من العباد كالتعذيب بلا ذنب فإنه لو صدر من العباد يكون ظلما ولو صدر منه سبحانه لا يكون كذلك لأن جل شأنه مالك الملك متصرف في ملكه كيف يشاء فلا يتصور في شأنه تعالى شأنه ظلم أصلا بوجه من الوجوه عند أهل السنة، وأنت تعلم أن هذا هو المشهور لدى الجمهور لا ما اقتضاه التحقيق فتأمل والله تعالى ولي التوفيق. واستدل بعموم الآية على أن أطفال المشركين لا يعذبون وهو القول المنصور وقد أسلفنا ولله تعالى الحمد ما يؤيده من الأخبار وَإِذْ قُلْنا أي اذكر وقت قولنا لِلْمَلائِكَةِ كلهم كما هو الظاهر، واستثنى بعض الصوفية الملائكة المهيمين، وبعض آخر ملائكة السماء مطلقا وزعم أن المقول له ملائكة الأرض.

اسْجُدُوا لِآدَمَ سجود تحية وإكرام أو اسجدوا لجهته على معنى اتخذوه قبلة لسجودكم لله تعالى، وقد مر تمام الكلام في ذلك فَسَجَدُوا كلهم أجمعون امتثالا للأمر إِلَّا إِبْلِيسَ لم يكن من الساجدين بل أبى واستكبر، وقوله تعالى: كانَ مِنَ الْجِنِّ كلام مستأنف سيق مساق التعليل لما يفيده استثناء اللعين من الساجدين، وقيل: حال من المستثنى وقد مقدرة والرابط الضمير وهو اختيار أبي البقاء، والأول ألصق بالقلب فكأنه قيل ما له لم يسجد؟ فقيل كان أصله جنيا، وهذا ظاهر في أنه ليس من الملائكة نعم كان معهم ومعدودا في عدادهم،

فقد أخرج ابن جرير عن سعد بن مسعود قال: كانت الملائكة تقاتل الجن فسبي إبليس وكان صغيرا فكان مع الملائكة فتعبد بالسجود معهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>