قول من رفع بالظرف أو من الضمير في الظرف الذي هو الخبر أو من الضمير في عِنْدَهُ ويتعين أحد الأخيرين عند من يعرب من مبتدأ ولا يجوز مجيء الحال من المبتدأ ولا يخفى.
وجوز بعض الأفاضل أن تكون الجملة مستأنفة والأظهر جعلها خبرا لمن عنده، وفي بعض أوجه الحالية ما لا يخفى، وقوله تعالى: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ استئناف وقع جوابا عما نشأ قبله كأنه قيل ماذا يصنعون في عبادتهم أو كيف يعبدون فقيل يُسَبِّحُونَ إلخ.
وجوز أن يكون في موضع الحال من ضمير لا يَسْتَحْسِرُونَ وقوله سبحانه: لا يَفْتُرُونَ في موضع الحال من ضمير يُسَبِّحُونَ على تقديري الاستئناف والحالية، وجوز على تقدير الحالية أن يكون هذا حالا من ضمير لا يَسْتَحْسِرُونَ أيضا ولا يجوز على تقدير الاستئناف كونه حالا منه للفصل وجوز أن يكون استئنافا والمعنى ينزهون الله تعالى ويعظمونه ويمجدونه في كل الأوقات لا يتخلل تسبيحهم فترة أصلا بفراغ أو شغل آخر، واستشكل كون الملائكة مطلقا كذلك مع أن منهم رسلا يبلغون الرسالة ولا يتأتى التسبيح حال التبليغ ومنهم من يلعن الكفرة كما ورد في آية آخري. وقد سأل عبد الله بن الحرث بن نوفل كعبا عن ذلك كما أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الشعب فأجاب بأنه جعل لهم التسبيح كالتنفس فلا يمنع عن التكلم بشيء آخر. وتعقب بأن فيه بعدا، وقيل إن الله تعالى خلق لهم ألسنة فيسبحون ببعض ويبلغون مثلا ببعض أخر، وقيل تبليغهم ولعنهم الكفرة تسبيح معنى.
وقال الخفاجي: الظاهر أنه إن لم يحمل على بعضهم فالمراد به المبالغة كما يقال فلان لا يفتر عن ثنائك وشكر آلائك انتهى. ولا يخفى حسنه، ويجوز أن يقال: إن هذا التسبيح كالحضور والذكر القلبي الذي يحصل لكثير من السالكين وذلك مما يجتمع مع التبليغ وغيره من الأعمال الظاهرة، ثم إن كون الملائكة يسبحون الليل والنهار لا يستلزم أن يكون عندهم في السماء ليل ونهار لأن المراد إفادة دوامهم على التسبيح على الوجه المتعارف، وقوله تعالى: أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً حكاية الجناية أخرى من جنايات أولئك الكفرة هي أعظم من جناية طعنهم في النبوة، وأم هي المنقطعة وتقدر ببل الإضرابية والهمزة الإنكارية هي لإنكار الوقوع لا إنكار الواقع، وقوله تعالى: مِنَ الْأَرْضِ متعلق باتخذوا ومن ابتدائية على معنى أن اتخاذهم إياها مبتدأ من أجزاء الأرض كالحجارة وأنواع المعادن ويجوز كونها تبعيضية.
وقال أبو البقاء وغيره: يجوز أن تكون متعلقة بمحذوف وقع صفة لآلهة أي آلهة كائنة من جنس الأرض، وأيا ما كان فالمراد التحقير لا التخصيص، ومن جوزه التزم تخصيص الإنكار بالشديد وهو غير سديد. وقوله تعالى: هُمْ يُنْشِرُونَ أي يبعثون الموتى صفة لآلهة وهو الذي يدور عليه الإنكار والتجهيل والتشنيع لا نفس الاتخاذ فإنه واقع لا محالة أي بل اتخذوا آلهة من الأرض هم خاصة مع حقارتهم وجماديتهم ينشرون الموتى كلا فإن ما اتخذوه آلهة بمعزل من ذلك وهم وإن لم يقولوا بذلك صريحا لكنهم حيث ادعوا لها الالهية فكأنهم ادعوا لها الإنشار ضرورة أنه من الخصائص الإلهية حتما ومعنى التخصيص في تقديم الضمير وما أشير إليه من التنبيه على كمال مباينة حالهم للإنشار الموجبة لمزيد الإنكار كما أن تقديم الجار والمجرور في قوله أَفِي اللَّهِ شَكٌّ [إبراهيم: ١٠] للتنبيه على كمال لمباينة أمره تعالى لأن يشك فيه، ويجوز أن يجعل ذلك من مستتبعات ادعائهم الباطل فإن الألوهية مقتضية للاستقلال بالإبداء، والإعادة فحيث ادعوا للأصنام الإلهية فكأنهم ادعوا لهم الاستقلال بالإنشار كما أنهم جعلوا بذلك مدعين لأصل الإنشار قاله المولى أبو السعود، وقال بعضهم: تقديم الضمير للتقوى، وما ذهب إليه من إفادته معنى التخصيص