أخيه ويحتمل أنه رجل أجنبي عنه فقد قيل: إن أباهما ليس ذا قرابة من شعيب عليه السلام وإنما هو رجل صالح، وحكى الطبرسي عن بعضهم أن يثرون اسم شعيب وقد أخبرني بعض أهل الكتاب بذلك أيضا إلا أنه قال هو عندنا يثرو بدون نون في آخره والذي رأيته أنا في الفصل الثاني من السفر الثاني من توراتهم ما ترجمته ولما سمع فرعون بهذا الخبر أي خبر القتل طلب أن يقتل موسى فهرب موسى من بين يديه وصار إلى بلد مدين وجلس على بئر ماء وكان لإمام مدين سبع بنات فجاءت ودلت وملأت الأحواض لسقي غنم أبيهن فلما جاء الرعاة فطردوهن قام موسى فأغاثهن وسقى غنمهن فلما جئن إلى رعوايل أبيهن قال ما بالكن أسرعتن المجيء اليوم إلخ، وفي أول الفصل الثالث منه ما ترجمته وكان موسى يرعى غنم يثرو حمية أمام مدين إلخ فلا تغفل، وفي البحر عند الكلام في تفسير إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ قيل: كان عمها صاحب الغنم وهو المزوج عبرت عنه بالأب إذ كان بمثابته والظاهر أن هذا القائل يقول: إنهما عنتا بالأب هنا العم، وأنت تعلم أن هذا وأمثاله مما تقدم مما لا يقال من قبل الرأي فالمدار في قبول شيء من ذلك خبر يعول عليه والأخبار التي وقفنا عليها في هذا المطلب مختلفة ولم يتميز عندنا ما هو الأرجح فيما بينها وكأني بك تعول على المشهور الذي عليه أكثر المفسرين وهو أن أباهما على الحقيقة شعيب عليه السلام إلى أن يظهر لك ما يوجب العدول عنه والظاهر من قوله تعالى: فَسَقى لَهُما أنه عليه السلام سارع إلى السقي لهما رحمة عليهما ومنشأ الترحم كونهما على الذود وكون الأمة من الناس على السقي ولهذا ذهب الشيخ عبد القاهر وصاحب الكشاف إلى أن حذف المفعول في يسقون وتذودان للقصد إلى نفس الفعل وتنزيله منزلة اللازم أي يصدر منهم السقي ومنهما الذود وقال: إن كون المسقي والمذود إبلا أو غنما خارج عن المقصود بل يوهم خلافه إذ لو قيل: أو قدر يسقون إبلهم وتذودان غنمهما لتوهم أن الترحم عليهما ليس من جهة أنهما على الذود والناس على السقي بل من جهة أن مذودهما غنم ومسقيهم إبل بناء على أن محط الفائدة في الكلام البليغ هو القيد الأخير وخالفهما في ذلك السكاكي فذهب إلى أن حذف المفعول من يسقون وتذودان لمجرد الاختصار والمراد يسقون مواشيهم وتذودان غنمهما وكذا سائر الأفعال المذكورة في هذه الآية، واختاره العلامة الثاني فقال: إن هذا أقرب إلى التحقيق لأن الترحم لم يكن من جهة صدور الذود عنهما وصدور السقي من الناس بل من جهة ذودهما غنمهما وسقي الناس مواشيهم حتى لو كانتا تذودان غير غنمهما بل مواشيهم وكان الناس يسقون غير مواشيهم بل غنمهما مثلا لم يصح الترحم ووافقه في ذلك السيد السند وقال في تحقيق المذهبين: إن الشيخين اعتبرا المفعول الذي نزل الفعلان بالنسبة إليه هو الإبل والغنم مثلا أي النوعين من المواشي بدون الإضافة كما يدل عليه قولهما إن كون المسقي والمذود إبلا أو غنما إلخ وكل منهما مقابل للآخر في نفسه وجعلا ما يضاف إليه كل في القول أو التقدير المفروض خارجا عن المفعول من حيث إنه مفعول غير ملحوظ معه فالمفعول عندهما ليس إلا مطلق الإبل والغنم فلو قدر المفعول لأدّى إلى فساد المعنى فإنهما لو كانتا تذودان إبلا لهما على سبيل الفرض لكان الترحم باقيا بحاله لأنه إنما كان لعدم قدرتهما على السقي، والسكاكي نظر إلى أن المفعول هو الغنم المضافة إليهما والمواشي المضافة إليهم وكل واحد منهما يقابل الآخر من حيث إنه مضاف فلو لم يقدر المفعول يفسد المعنى وهذا أدق نظرا وأصح معنى انتهى، وتعقبه المولى عبد الحكيم السالكوني بقوله:
وفيه بحث لأن عدم التقدير إن قصد به التعميم أي يسقون مواشيهم وغير مواشيهم وتذودان غنمهما وغير غنمهما يلزم الفساد أما إذا قصد به مجرد السقي والذود من غير ملاحظة التعلق بالمفعول كما في قوله تعالى: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر: ٩] فلا لأن كون طبيعة السقي والذود منشأ الترحم لا يقتضي أن يكون عند تعلقه بمفعول مخصوص كذلك حتى يلزم أن يكون سقي غير مواشيهم وذود غير غنمهم محلا للترحم فتدبر، فإن منشأ ما ذكره السكاكي عدم الفرق بين الإطلاق والعموم انتهى، ولا يخفى أنه ينبغي أن يضم إلى طبيعة السقي والذود بعض