مخلوق له تعالى والتالي محال للمباينة التامة بين المخلوق والخالق والولدية تأبى تلك المباينة فالمقدم مثله ويكون قوله تعالى: لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ على معنى لاتخذه ابنا على سبيل الكناية وما تقدم أولى لما فيه من المبالغة التي نبهت عليها، وقوله تعالى: سُبْحانَهُ تقرير لما ذكر من استحالة اتخاذ الولد في حقه تعالى وتأكيد له ببيان تنزهه سبحانه عنه أي تنزهه الخاص به تعالى على أن سبحانه مصدر من سبح إذا بعد أو أسبحه تسبيحا لائقا به لأنه علم التسبيح مقول على ألسنة العباد أو سبحوه تسبيحا لائقا بشأنه جل شأنه، وقوله تعالى:
هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ استئناف مقرر لتنزهه عن ذلك أيضا فإن اتخاذ الولد يقتضي تبعضا وانفصال شيء من شيء وكذا يقتضي المماثلة بين الولد والوالد والوحدة الذاتية الحقيقية التي هي في أعلى مراتب الوحدة الواجبة له تعالى بالبراهين القطعية العقلية تأبى التبعض والانفصال إباء ظاهرا لأنهما من خواص الكم وقد اعتبر في مفهوم الوحدة الذاتية سلبه فتأبى الاتخاذ المذكور وكذا تأبى المماثلة سواء فسرت بما ذهب إليه قدماء المعتزلة كالجبائي وابنه أبي هاشم وهي المشاركة في أخص صفات الذات كمشاركة زيد لعمرو في الناطقية أم فسرت بما ذهب إليه المحققون من الماتريدية وهي المشاركة في جميع الصفات الذاتية كمشاركته له في الحيوانية والناطقية أم فسرت بما نسب إلى الأشعري وهو التساوي بين الشيئين من كل وجه، ولعل مراده نحو ما مر عن الماتريدي وإلا فمع التساوي من كل وجه ينتفي التعدد فينتفي التماثل بناء على ما قرروا من أن الوحدة الذاتية كما تقتضي نفي الأبعاض المقدارية تقتضي نفي الكثرة العقلية وأن التماثل يقتضي التعدد وهو يقتضي ثبوت الأجزاء المذكورة كذا قيل، وفيه بحث طويل وكلام غير قليل وسنذكر بعضا منه إن شاء الله تعالى في تفسير سورة الإخلاص فالأولى أن يقتصر على منافاة الوحدة الذاتية للتبعض والانفصال لاستلزامهما التركب الخارجي والحكماء والمتكلمون مجمعون على استحالته في حقه تعالى ودليلها أظهر من أن يذكر، وكذا وصف القهارية يأبى اتخاذ الولد وقرر ذلك على أوجه، فقيل وجه إبائها ذلك أن القهارية تقتضي الغنى الذاتي الذي هو أعلى مراتب الغنى وهو يقتضي التجرد عن المادة وتولد الولد عن الشيء يقتضيها، وقيل إن القهارية تقتضي كمال الغنى وهو يقتضي كمال التجرد الذي هو البساطة من كل الوجوه فلا يكون هناك جنس وفصل ومادة وصورة واعراض وأبعاض إلى غير ذلك مما يخل بالبساطة الكاملة الحقيقية واتخاذ الولد لما فيه من الانفصال والمثلية مخل بتلك البساطة فيخل بالغنى فيخل بالقهارية، وقد أشار سبحانه إلى أن الغنى ينافي أن يكون له سبحانه ولد بقوله تعالى: قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ [يونس: ٦٨] وقيل: إن اتخاذ الولد يقتضي انفصال شيء عنه تعالى وذلك يقتضي أن يكون متأثرا مقهورا لا مؤثرا قهارا تعالى عن ذلك علوا كبيرا، فحيث كان جل وعلا قهارا كما هو مقتضى الألوهية استحال أن يكون له عزّ وجلّ ولد، وقيل: إن القهارية منافية للزوال لأن القهار لو قبله كان مقهورا إذ المزيل قاهر له ولذا قيل سبحان من قهر العباد بالموت.
والولد من أعظم فوائده عندهم قيامه مقام الأب بعد زواله فإذا لم يكن الزوال لم يكن حاجة إلى الولد وهذا مع كونه إلزاميا لا يخلو عن بحث كما لا يخفى.
والزمخشري جعل قوله تعالى: سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ إلخ متصلا بقوله عزّ وجلّ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ إلخ على أنه مقرر نفي أن يكون له تعالى ولي ونفى أن يكون له ولد، ولعل بيان ذلك لا يخفى فتدبر.
وقوله سبحانه: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إثبات لما ذكر أولا من الوحدة والقهر، وفيه أيضا ما ستعلمه إن شاء الله تعالى أي خلق هذا العالم المشاهد ملتبسا بالحق والصواب مشتملا على الحكم والمصالح.
وقوله تعالى: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ بيان لكيفية تصرفه فيما ذكر بعد بيان