للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما أتي في الجملة الثانية بالاسم الكريم ولم يؤت بعنوان الربوبية كما أتي بها في الجملة الأولى بأن يقال: إن ربي ليكون في مقابلة أنا في ذلك القول مع ما فيه من الدلالة على ربوبيته تعالى له عليه السلام ولذلك المارد عليه اللعنة ففيه ترق عما في تلك الجملة كالترقي من الأرض إلى السماء وهو في هذا المقام حسن حسن التأكيد بأن والأمر للتعجيز والفاء الأولى للايذان بتعلق ما بعدها بما قبلها، والمعنى إذا ادعيت الإحياء والإماتة لله تعالى وأخطأت أنت في الفهم أو غالطت فمريح البال ومزيح الالتباس والاشكال فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ إلخ. والباء للتعدية، ومِنَ في الموضعين لابتداء الغاية متعلقة بما تقدمها من الفعل، وقيل: متعلقة بمحذوف وقع حالا أي مسخّرة أو منقادة فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ أي غلب وصار مبهوتا منقطعا عن الكلام متحيرا لاستيلاء الحجة عليه، وقرئ- بهت- بفتح الباء وضم الهاء- وبهت- بفتح الأولى وكسر الثانية وهما لغتان والفعل فيهما لازم- وبهت- بفتحهما فيجوز أن يكون لازما أيضا، والَّذِي فاعله وأن يكون متعديا وفاعله ضمير إبراهيم، والَّذِي مفعوله- أي فغلب إبراهيم عليه السلام الكافر وأسكته- وإيراد الكفر في حيز الصلة للإشعار بعلة الحكم، قال الكيا: وفي الآية دليل على جواز المحاجة في الدين وإن كانت محاجة هذا الكافر كفرا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أي إلى مناهج الحق كما هدى أولياءه، وقيل: لا يهديهم إلى طريق الجنة يوم القيامة أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ عطف على سابقه والكاف إما اسمية بمعنى مثل معمولة- لأرأيت- محذوفا أي- أو أرأيت. مثل الذي مر وإلى ذلك ذهب الكسائي والفراء وأبو علي وأكثر النحويين وحذف لدلالة- ألم تر- عليه على أنه قد قيل: إن مثال هذا النظم كثيرا ما يحذف منه فعل الرؤية كقوله:

قال لها كلابها أسرعي ... كاليوم (مطلوبا، ولا طالبا)

وجيء بهذه الكاف للتنبيه على تعدد الشواهد وعدم انحصارها فيما ذكر كما في قولك- الفعل الماضي- مثل:

نصر، وتخصيص هذا بذلك على ما قيل: لأن منكر الأحياء كثير، والجاهل بكيفيته أكثر من أن يحصى بخلاف مدعي الربوبية، وقيل: إنها زائدة- وإلى ذلك ذهب الأخفش- أي أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ أو كَالَّذِي مَرَّ إلخ، وقيل. إنه عطف محمول على المعنى كأنه قيل: أَلَمْ تَرَ كالذي حاج، أو كَالَّذِي مَرَّ وقيل: إنه من كلام إبراهيم عليه السلام ذكره جوابا لمعارضة ذلك الكافر، وتقديره وإن كنت تحيي فأحي كإحياء الذي مرّ، ولا يخفى ضعفه للفصل وكثرة التقدير، وإنما لم تجعل الكاف أصلية والعطف على الَّذِي نفسه في الآية السابقة لاستلزامه دخول إلى على الكاف، وفيه إشكال لأنها إلى كانت حرفية فظاهر وإن كانت اسمية فلأنها مشبهة بالحرف في عدم التصرف لا يدخل عليها من الحروف إلا ما ثبت في كلامهم، وهو عن- وذلك على قلة أيضا، وقال بعضهم: إن كلا من لفظ أَلَمْ تَرَ وأَ رَأَيْتَ [الكهف: ٦٣، الفرقان: ٤٣، العلق: ٩ و ١١ و ١٣، الماعون: ١] مستعمل لقصد التعجب إلا أن الأول تعلق بالمتعجب منه فيقال: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي صنع كذا بمعنى انظر إليه فتعجب من حاله، والثاني بمثل المتعجب منه فيقال: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي صنع كذا بمعنى انظر إليه فتعجب من حاله، والثاني بمثل المتعجب منه فيقال- أرأيت مثل الذي صنع كذا بمعنى إنه من الغرابة بحيث لا يرى له مثل ولا يصح أَلَمْ تَرَ إِلَى مثله إذ يكون المعنى أنظر إلى المثل وتعجب من الذي صنع، ولذا لم يستقم عطفك كَالَّذِي مَرَّ على الَّذِي حَاجَّ ويحتاج إلى التأويل في المعطوف بجعله متعلقا بمحذوف- أي أرأيت كالذي مر- فيكون من عطف الجملة أو في المعطوف عليه نظرا إلى أنه في معنى- أرأيت كالذي حاج- فيصح العطف عليه ومن هذا يعلم أن عدم الاستقامة ليس لمجرد امتناع دخول إلى على الكاف بل لو قلت أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ أو مثل كَالَّذِي مَرَّ فعدم

<<  <  ج: ص:  >  >>