مرادا أما بغير ذلك فلا تجمع فاعلة على فواعل إلا ويكون للمؤنث قاله أبو حيان، وعصم- جمع عصمة وهي ما يعتصم به من عقد وسبب، والمراد نهي المؤمنين عن أن يكون بينهم وبين الزوجات المشركات الباقية في دار الحرب علقة من علق الزوجية أصلا حتى لا يمنع إحداهن نكاح خامسة أو نكاح أختها في العدة بناء على أنه لا عدة لهن قال ابن عباس: من كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يعتدن بها من نسائه لأن اختلاف الدارين قطع عصمتها منه، وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن إبراهيم النخعي أنه قال: نزل قوله تعالى: وَلا تُمْسِكُوا إلخ في المرأة من المسلمين تلحق بالمشركين فلا يمسك زوجها بعصمتها قد برىء منها.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد وسعيد بن جبير نحوه، وفي رواية أخرى عن مجاهد أنه قال: أمرهم سبحانه بطلاق الباقيات مع الكفار ومفارقتهن، ويروى أن عمر رضي الله تعالى عنه طلق لذلك امرأته فاطمة أخت أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومي فتزوجها معاوية بن أبي سفيان وامرأته كلثوم بنت جرول الخزاعي فتزوجها أبو جهم بن حذيفة العدوي، وكذا طلق طلحة زوجته أروى بنت ربيعة، وتعقب ذلك بأنه بظاهره مخالف لمذهب الحنفية والشافعية، وأما عند الحنفية فلأن الفرقة بنفس الوصول إلى دار الإسلام، وأما عند الشافعية فلأن الطلاق موقوف إن جمعتهما العدة تبين وقوعه من حين اللفظ، وإلا فالبينونة بواسطة بقاء المرأة في الكفر، فظاهر الآية لا يدل على ما في هذه الرواية، وقرأ أبو عمرو ومجاهد بخلاف عنه وابن جبير والحسن والأعرج «تمسكوا» مضارع مسك مشددا، والحسن أيضا وابن أبي ليلى وابن عامر في رواية عبد الحميد وأبو عمرو في رواية معاذ «تمسّكوا» مضارع تمسك محذوف إحدى التاءين، والأصل تتمسكوا.
وقرأ الحسن أيضا «تمسكوا» بكسر السين مضارع مسك ثلاثيا وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ أي واسألوا الكفار مهور نسائكم اللاحقات بهم وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا أي وليسألكم الكفار مهور نسائهم المهاجرات إليكم، وظاهره أمر الكفار، وهو من باب وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً [التوبة: ١٢٣] فهو أمر للمؤمنين بالأداء مجازا، وقيل: المراد التسوية ذلِكُمْ الذي ذكر حُكْمُ اللَّهِ أي فاتبعوه، وقوله عز وجل: يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ كلام مستأنف أو حال من حُكْمُ بحذف الضمير العائد إليه، وهو مفعول مطلق أي يحكمه الله تعالى بينكم، أو العائد إليه الضمير المستتر في يَحْكُمُ بجعل الحكم حاكما مبالغة كأن الحكم لقوته وظهوره غير محتاج لحاكم آخر وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ يشرع ما تقتضيه الحكمة البالغة، روي أنه لما تقرر هذا الحكم أدى المؤمنون مما أمروا به من مهور المهاجرات إلى أزواجهن، وأبى المشركون أن يؤدوا شيئا من مهور الكوافر إلى أزواجهن المؤمنين فنزل قوله تعالى: وَإِنْ فاتَكُمْ أي سبقكم وانفلت منكم شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ أي أحد من أزواجكم، وقرىء كذلك، وإيقاع شَيْءٌ موقعه لزيادة التعميم وشمول محقر الجنس نصا، وفي الكشف لك أن تقول: أريد التحقير والتهوين على المسلمين لأن من فات من أزواجهم إلى الكفار يستحق الهون والهوان، وكانت الفائتات ستا على ما نقله في الكشاف وفصله، أو أن فاتَكُمْ شَيْءٌ من مهور أزواجكم على أن شَيْءٌ مستعمل في غير العقلاء حقيقة، ومِنْ ابتدائية لا بيانية كما في الوجه الأول فَعاقَبْتُمْ من العقبة لا من العقاب، وهي في الأصل النوبة في ركوب أحد الرفيقين على دابة لهما والآخر بعده أي فجاءت عقبتكم أي نوبتكم من أداء المهر شبه ما حكم به على المسلمين والكافرين من أداء هؤلاء مهور نساء أولئك تارة وأداء أولئك مهور نساء هؤلاء أخرى، أو شبه الحكم بالأداء المذكور بأمر يتعاقبون فيه كما يتعاقب في الركوب، وحاصل المعنى إن لحق أحد من أزواجكم بالكفار أو فاتكم شيء من مهورهن ولزمكم أداء المهر كما لزم الكفار.