للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو كان معروفا قبل الإسراء، لأن وجود المسجد لم يكن مقرونا بالإسراء، وإنما جاء الإسراء والمسجد موجود أو موجود مكانه ومعروف لدى الناس المخاطبين، وأخبرنا الله أنه «بارك حوله» في الزمن القديم السابق على نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم «١» ، وقد أسرى الله بنبيّه إلى المسجد الأقصى الذي يعرفه العرب في الجاهلية، والدليل على معرفة العرب له أنهم لم يسألوا عنه، ليستوضحوا مكانه، وماهيته، فهم إذن يعرفونه ويعرفون مكانه، ويعرفون أيضا قدسيته، ولذلك وردت الأحاديث الشريفة الصحيحة التي تعلي منزلته وتحث على الصلاة فيه والارتحال إليه، والمعروف أن الأحاديث كلّها، قبل فتح الشام من ذلك، غير أحاديث الإسراء والمعراج. قوله عليه السلام: «لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى» . وفي رواية للبخاري «مسجد الحرام، ومسجد الأقصى، ومسجدي» . فجعل المسجد الحرام أولا، ومسجد الأقصى ثانيا، ومسجد المدينة ثالثا. والترتيب يدل على المنزلة.

وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده، عن ذي الأصابع، قال: قلت يا رسول الله، إن ابتلينا بعدك بالبقاء، أين تأمرنا؟ قال: «عليك ببيت المقدس، فلعلّه أن ينشأ لك ذرية يغدون إلى ذلك المسجد ويروحون» .

* والسؤال الذي يحتاج إلى الإجابة عنه:

من بنى بيت المقدس، أو مسجد بيت المقدس: هل بناه عبد الملك بن مروان، أو ابنه الوليد (خليفتا بني أمية) ؟ أو بناه داود وابنه سليمان عليهما السلام؟

الجواب: لم يكن أول من بناه داود وسليمان عليهما السلام، ولا عبد الملك وابنه الوليد، فهو أقدم من هؤلاء وهؤلاء، ودليلنا على هذا الحديث الصحيح الذي رواه البخاري، ومسلم، والإمام أحمد، عن أبي ذرّ رضي الله عنه، قال: «قلت يا رسول الله، أيّ المساجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام، قال: قلت:

ثم أيّ؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم كان بينهما، قال: أربعون سنة» «٢» .


(١) لأنّ الله تعالى أخبرنا أنه نجّى إبراهيم عليه السلام، إلى الأرض التي بارك فيها للعالمين، ونجاة سيدنا إبراهيم سابقة على إسراء محمد صلّى الله عليه وسلّم، ومعنى هذا أن البركة كانت حاصلة منذ خلق الله أرض فلسطين، ووضع فيها أسباب البركة.
(٢) فوائد لغوية: قوله: «أول» بمعنى «قبل» وهي ظرف زمان، ويجوز البناء على الضم، لقطعه.

<<  <   >  >>