يشترط له من الحسن، وهو في الذي يأتي به من الألفاظ المسجوعة كمن ينقش أثوابا من الكرسف «١» ، أو ينظم عقدا من الخزف الملوّن.
وهذا مقام تزلّ عنه الأقدام، ولا يستطيعه إلا الواحد من أرباب هذا الفن بعد الواحد، ومن أجل ذلك كان أربابه قليلا.
فإذا صفي الكلام المسجوع من الغثاثة والبرد فإن وراء ذلك مطلوبا آخر، وهو أن يكون اللفظ فيه تابعا للمعنى، لا أن يكون المعنى فيه تابعا للفظ؛ فإنه يجيء عند ذلك كظاهر مموّه، على باطن مشوّه، ويكون مثله كغمد من ذهب، على نصل من خشب، وكذلك يجري الحكم في الأنواع الباقية الآتي ذكرها من التجنيس والترصيع وغيرهما.
وسأبين لك في هذا مثالا تتبعه؛ فأقول: إذا صوّرت في نفسك معنى من المعاني، ثم أردت أن تصوغه بلفظ مسجوع ولم يؤاتك ذلك إلا بزيادة في ذلك اللفظ أو نقصان منه، ولا يكون محتاجا إلى الزيادة ولا إلى النقصان، إنما تفعل ذلك لأن المعنى الذي قصدته يحتاج إلى لفظ يدل عليه، وإذا دللت عليه بذلك اللفظ لا يكون مسجوعا إلا أن تضيف إليه شيئا آخر أو تنقص منه، فإذا فعلت ذلك فإنه هو الذي يذمّ من السجع ويستقبح؛ لما فيه من التكلف والتعسف، وأما إذا كان محمولا على الطبع غير متكلّف فإنه يجيء في غاية الحسن، وهو أعلى درجات الكلام، وإذا تهيّأ للكتاب أن يأتي به في كتابته كلها على هذه الشريطة فإنه يكون قد ملك رقاب الكلم: يستعبد كرائمها، ويستولد عقائمها، وفي مثل ذلك فليتنافس، وعن مقامه فليقاعس، ولصاحبه أولى بقول أبي الطيب المتنبي «٢» :
أنت الوحيد إذا ركبت طريقة ... ومن الرّديف وقد ركبت غضنفرا؟ «٣»