الذي أشرت إليه أيضا فيما تقدم، الثالثة: أن يكون اللفظ في الكلام المسجوع تابعا للمعنى، لا المعنى تابعا للفظ، الرابعة: أن تكون كل واحدة من الفقرتين المسجوعتين دالة على معنى غير المعنى الذي دلّت عليه أختها؛ فهذه أربع شرائط لابد منها.
وسأورد ههنا من كلامي أمثلة تحذي حذوها، فإني لما سلكت هذه الطريق وأتيت بكلامي مسجوعا توخّيت أن تكون كل سجعة منه مختصة بمعنى غير المعنى الذي تضمنته أختها، ولم أخلّ بذلك في مكاتباتي كلها، وإذا تأملتها علمت صحة ما قد ذكرته.
فمن ذلك ما كتبته في صدر كتاب عن بعض الملوك إلى دار الخلافة، وهو:
الخادم واقف موقف راج هائب، لازم بكتابه هذا وقار حاضر عن شخص غائب، موجّه وجهه إلى ذلك الجناب الذي تقسم فيه أرزاق العباد، ويتأدب به الزمان تأدّب ذوي الاستعباد، وتستمد الملوك من خدمته شرف الجدود كما تستغني بنسبها إليه عن شرف الأجداد، ولو ملك الخادم نفسه لقصرها على خدمة قصره، وأحظاها من النظر إليه ببرد العيش الذي عمرها محسوب من عمره، وهذا القول يقوله وكل ما جد فيه حاسد، وبتأميله راكع ساجد، والديوان العزيز محسود الاقتراب، وهو موطن الرغبات الذي الاغتراب إليه ليس بالاغتراب، وما ينافس في القرب من أبوابه الكريمة إلا ذوو الهمم الكريمة، وقد ودّت الكواكب بأسرها أن تكون له منادمة فضلا عن ندماني جذيمة.
ومن ذلك ما كتبته من كتاب يتضمن العناية ببعض الناس، وهو: الكريم من أوجب لسائله حقّا، وجعل كواذب آماله صدقا؛ وكان خرق العطايا منه خلقا، ولم ير بين ذممه وبين رحمه فرقا، وكل ذلك موجود في كرم مولانا أجراه الله من فضله على وتيرة، وجعل هممه على تمام كل نقص قديرة، وأوطأه من كل مجد سريرا كما بؤأه من كل قلب سريرة، ولا زالت يده بالمكارم جديرة، ومن الأيام مجيرة، ولضرائرها من البحار والسحاب معيرة، ولا برحت تستولد عقائم المعاني وتستجد أبنيتها حتى يشهد الناس منها في كل يوم عقيقة أو وكيرة، ومن صفات كرمه أنه