وعلى هذا جاء كلامه في كتاب آخر، فقال:«يسافر رأيه وهو دان لم ينزح، ويسير تدبيره وهو ثاو لم يبرح» .
وكلا هذين سواء أيضا. وما أحسن هذا المعنى لو قال: يسافر رأيه وهو دان لم يبرح، ويثخن الجراح في عدوه وسيفه في الغمد لم يجرح؛ فإنه لو قال مثل هذا سلم من هجنة التكرار. وأمثال ذلك في كلام الصابي كثير.
وعلى منواله نسج الصاحب ابن عبّاد.
فمن ذلك ما ذكره في وصف مهزومين، فقال:«طاروا واقين بظهورهم صدورهم، وبأصلابهم نحورهم»«١» وكلا المعنيين سواء.
وكذلك قوله في هذا الكتاب يصف ضيق مجال الحرب:«مكان ضنك على الفارس والراجل، ضيّق على الرّامح والنّابل» .
ومن كلامه في كتاب، وهو:«لا تتوجه همّته إلى أعظم مرقوب إلا طاع ودان، ولا تمتد عزيمته إلى أفخم مطلوب إلا كان واستكان» .
وكل هذا الذي ذكره شيء واحد.
وله من كتاب، وهو:«وصل كتابه جامعا من الفوائد أشدّهما للشكر استحقاقا، وأتمها للحمد استغراقا، وتعرّفت من إحسان الله فيما وفره من سلامته، وهنأه من كرامته، أنفس موهوب ومطلوب، وأحمد مرقوب ومخطوب» .
وهذا كله متماثل المعاني، متشابه الألفاظ.
وفيما أوردته ههنا مقنع؛ فأنعم نظرك أيها الواقف على هذا الكتاب فيما بينته لك، ووضعت يدك عليه، حتى تعلم كيف تأتي بالمعاني في الألفاظ المسجوعة، والله الموفق للصواب.
فإن قيل: إنك اشترطت أن تكون كل واحدة من الفقرتين في الكلام المسجوع دالة على معنى غير المعنى الذي دلت عليه أختها، وإنما اشترطت هذه