للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسلامة في دنياه حين توبق موبقاتها، وتردهي مردياتها، وفي آخرته حين تروع رائعاتها، وتخيف مخيفاتها، وأن يتأدّب بأدب الله في التواضع والإخبات والسكينة، وصدق اللهجة إذا نطق، وغضّ الطرف إذا رمق، وكظم الغيظ إذا أحفظ، وضبط اللسان إذا أغضب، وكفّ اليد عن المآثم، وصون النفس عن المحارم، وأن يذكر الموت الذي هو نازل به، والموقف الذي هو صائر إليه، ويعلم أنه مسئول عما اكتسب، مجزى عما تزمّل واحتقب، ويتزود من هذا الممرّ لذلك المقر، ويستكثر من أعمال البر لتنفعه، ومن مساعي الخير لتنقذه، ويأتمر بالصالحات قبل أن يأمر بها، ويزدجر عن السّيّئات قبل أن يزجر عنها، ويبتدئ بإصلاح نفسه قبل إصلاح رعيته، فلا يبعثهم على ما يأتي ضدّه، ولا ينهاهم عما يقترف مثله، ويجعل ربه رقيبا عليه في خلواته، ومروأته مانعة له من شهواته، فإن أحق من غلب سلطان الشهوة، وأولى من ضرع لغذاء «١» الحمية؛ من ملك أزمة الأمور، واقتدر على سياسة الجمهور، وكان مطاعا فيما يرى، متّبعا فيما يشاء، يلي على الناس ولا يلون عليه، ويقتصّ منهم ولا يقتصّون منه، فإذا اطلع الله منه على نقاء جيبه، وطهارة ذيله، وصحة سريرته، واستقامة سيرته، أعانه على حفظ ما استحفظه، وأنهضه بثقل ما حمّله، وجعل له مخلصا من الشّبهة، ومخرجا من الحيرة، فقد قال الله تعالى:

ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب

وقال عزّ من قائل:

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون

وقال:

اتقوا الله وكونوا مع الصادقين

إلى آي كثيرة حضّنا بها على أكرم الخلق، وأسلم الطرق، فالسعيد من نصبها إزاء ناظره، والشقي من نبذها وراء ظهره، وأشقى منها من بعث عليها وهو صادف عنها، وأهاب إليها وهو بعيد منها، وله ولأمثاله يقول الله تعالى ذكره: أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون.

وأمره أن يتخذ كتاب الله إماما متّبعا، وطريقا متوقّعا، ويكثر من تلاوته إذا خلا بذكره، ويملأ بتأميله أرجاء صدره، فيذهب معه فيما أباح وحظر، ويقتدي به

<<  <  ج: ص:  >  >>