إذا نهى وأمر، ويستبين ببيّناته إذا استغلقت دونه المعضلات، ويستضيء بمصابيحه إذا غمّ عليه في المشكلات؛ فإنه عروة الإسلام الوثقى، ومحجّته الوسطى، ودليله المقنع، وبرهانه المرشد، والكاشف لظلم الخطوب، والشافي من مرض القلوب، والهادي لمن ضلّ، والمتلافي لمن زلّ؛ فمن نجا به فقد فاز وسلم، ومن لها عنه فقد خاب وندم، قال الله تعالى: وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
وأمره أن يحافظ على الصّلوات، ويدخل فيها في حقائق الأوقات، قائما على حدودها، متبعا لرسومها، جامعا فيها بين نيته ولفظه، متوقيا لمطامح سهوه ولحظه، منقطعا إليها عن كل قاطع لها، مشغولا بها عن كل شاغل عنها، متثبتا في ركوعها وسجودها، مستوفيا عدد مفروضها ومسنونها، موفّرا عليها ذهنه، صارفا إليها همه، عالما بأنه واقف بين يدي خالقه ورازقه، ومحييه ومميته، ومعاقبه ومثيبه، لا تستر دونه خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فإذا قضاها على هذه السبيل منذ تكبيرة الإحرام إلى خاتمة التسليم أتبعها بدعاء يرتفع بارتفاعها، ويستمع باستماعها، لا يتعدّى فيه مسائل الأبرار، ورغائب الأخيار، من استصفاح واستغفار، واستقالة واسترحام، واستدعاء لمصالح الدين والدنيا، وعوائد الآخرة والأولى؛ فقد قال الله تعالى: إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا
وقال تعالى: وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
وأمره بالسعي في أيام الجمع إلى المساجد الجامعة، وفي الأعياد إلى المصلّيات الضاحية، بعد التقدم في فرشها وكسوتها، وجمع القوام والمؤذنين والمكبرين فيها، واستسعاء الناس إليها، وحضّهم عليها، آخذين الأهبة، متنظفين في البزّة، مؤدّين لفريضة الطهارة، وبالغين في ذلك أقصى الاستقصاء، معتقدين خشية الله وخيفته، مدّرعين تقواه ومراقبته، مكثرين من دعائه عز وجل وسؤاله، مصلين على محمد صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله، بقلوب على اليقين موقوفة، وهمم إلى الدين مصروفة، وألسن بالتقديس والتسبيح فصيحة، وآمال في المغفرة والرحمة فسيحة؛ فإن هذه المصلّيات والمتعبّدات بيوت الله التي فضلها، ومناسكه التي شرفها، وفيها