بكشف عددهم، واعتبار عددهم، وانتخاب خيلهم، واستجادة أسلحتهم، غير مجمر بعثا إذا بعثه، ولا مستكرهه إذا وجّهه، بل يناوب بين رجاله مناوبة تريحهم ولا تمدهم، وترفّههم ولا تئودهم؛ فإن في ذلك من فائدة الإجمام، والعدل في الاستخدام، زينا، فليسوّبين رجال النوب فيما عاد عليهم بعز الظفر والنصر، وبعد الصيت والذكر، وإحراز النفع والأجر، ما يحق أن يكون الولاة به عاملين، وللناس عليه حاملين، وأن يكرر في أسماعهم، ويثبت في قلوبهم؛ مواعيد الله تعالى لمن صبر ورابط وسامح بالنفس من حيث لا يقدمون على تورط غرة، ولا يحجمون عن انتهاز فرصة، ولا ينكصون عن تورّد معركة، ولا يلقون بأيديهم إلى التّهلكة، فقد أخذ الله ذلك على خلقه، والمرء أمين على دينه، وأن يريح العملة فيما يحتاج إليه من راتب نفقات هذه الثغور وحادثها وبناء حصونها ومعاقلها، واستطراق طرقها ومسالكها، وإفاضة الأقوات والعلوفة فيها للمترتبين بها، والمترددين إليها، والحامين لها، وأن يبذل أمانة لمن طلبه، ويعرضه على من لم يطلبه، ويفي بالعهد إذا عاهد، وبالعقد إذا عاقد، غير مخفر ذمّة، ولا جارح أمانة، فقد أمر الله تعالى بالوفاء، فقال عز وجل: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود
ونهى عن النّكث؛ فقال عزّ من قائل:
فمن نكث فإنما ينكث على نفسه.
وأمره أن يعرض من في حبوس عمله على جرائمهم، فمن كان إقراره واجبا أقره، ومن كان إطلاقه سائغا أطلقه، وأن ينظر في الشّرطة والأحداث نظر عدل وإنصاف، ويختار لها من يخاف الله ويتقيه، ولا يجابي ولا يراقب فيه، ويتقدم إليهم بقمع الجهال، وردع الضّلّال، وتتبع الأشرار، وطلب الدّعّار، مستدلين على أماكنهم، متوغّلين إلى مكامنهم، متولجين عليهم في مظانهم، متوثقين ممن يجدونه منهم، منفذين أحكام الله تعالى فيهم، بحسب الذي يتبين من أمرهم، ويصح من فعلهم، في كبيرة ارتكبوها، وعظيمة احتقبوها، ومهجة إن أفاظوها واستهلكوها، وحرمة إن استباحوها وانتهكوها؛ فمن استحق حدا من حدود الله المعلومة أقاموه عليه غير مخفّفين منه، وأحلّوه به غير مقصرين عنه، بعد ألّا يكون عليهم في الذي يأتونه حجة، ولا يعترضهم في وجوبه مشبهة، فإن الواجب في الحدود أن تقام بالبينات، وأن تدرأ بالشبهات، فأولى ما توخّاه رعاة الرعايا فيها ألّا يقدموا عليها مع