أطاعته أنواع البلاغة فاهتدى ... إلى الشّعر من نهج إليه قويم «١»
وستقف على رأينا في هذا الكتاب عند الكلام على ترجمة المؤلف، ولكنا نذكر لك ههنا عملنا في هذا الكتاب لتدرك مقدار الجهد المضني الذي بذلناه في إخراجه على هذه الصورة التي نتمنى أن تخرج عليها كتب العربية، بل كتب الثقافة الإسلامية عامة؛ لتنقطع ألسنة الأفاكين الذين يتهمون آباءنا بقلة الإنتاج الصحيح، وإذا اعترف أحدهم لهم ذكر في جانب اعترافه هذا أن الإنتاج محدود لا أثر فيه لشخصية المنتج، ولا برهان فيه على الاستقلال والحرية الفكرية، في الوقت يسطو هو على إنتاجهم وعصارة أذهانهم فينتحلها وينسبها لنفسه، وهو بمأمن من أن يعرف ذلك سواد الناس ودهماؤهم؛ لأنهم لا يقرءون هذه الكتب.
لم يكن من رأيي أن أعمل على نشر هذا الكتاب الآن: فقد كنت أرى أنّ غيره من كتب العربية أحق بالتقديم وأكثر عائدة؛ ذلك لأن الكتاب قد طبع من قبل مرارا في بولاق وفي غير بولاق، ولأن الذين ينتفعون به عدد قليل من قرّاء العربية، وهم- أو أكثرهم- مستطيعون أن ينتفعوا منه على حاله التي كان عليها. ولكن بعض الإخوان رجاني أن يكون هذا الكتاب في مقدمة ما أخرجه من كتب العربية، وذكر لي أنه وكثيرا من المشتغلين بتحصيل العلم يجدون العنت والمشقة في تقويم عبارته التي عدت عليها عوادي المسخ والتشويه؛ فوعدته بأن أقبل؛ وكنت أظن الأمر هينا حين قطعت على نفسي ذلك العهد؛ ولكني حينما شرعت في مراجعة أصول الكتاب وجدت العجب العاجب؛ فمن عبارات مشوهة، إلى أعلام محرّفة تحريفا أبعدها كثيرا عن أصلها؛ إلى نصوص من الحديث النبويّ والشعر العربيّ قد بدّلتها الأيدي التي تناولت الكتاب، إلى غير ذلك بما ستراه في أثناء قراءتك؛ فلما رأيت ذلك هالني الأمر وترددت كثيرا في المضي فيه، ولكني لم أشأ أن أنقض ما قطعته من عهد، أو لم أشأ أن تضعف عزيمتي عن إتمام ما شرعت فيه.