صارت من أوجز الكلام، وأكثره اختصارا، ومن أجل ذلك قيل في حدّ المثل: إنه القول الوجيز المرسل ليعمل عليه، وحيث هي بهذه المثابة فلا ينبغي الإخلال بمعرفتها.
وأما أيام العرب فإنها تتنوّع وتتشعب، فمنها أيام فخار، ومنها أيام محاربة، ومنها أيام منافرة، ومنها غير ذلك، ولا يخلو الناظم والناثر من الانتصاب لوصف يوم يمر به في بعض الأحوال شبيها بيوم من تلك الأيام، ومماثلا له؛ فإذا جاء بذكر بعض تلك الأيام المناسبة لمراده الموافقة له، وقاس عليه يومه؛ فإنه يكون في غاية الحسن والرّونق؛ هذا لا خفاء به.
وأما الوقائع التي وردت في حوادث خاصة بأقوام، فإنها كالأمثال في الاستشهاد بها، وسأبين لك نبذة منها حتى تعلم مقدار الفائدة بها:
فمن ذلك أنه ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم حديث بيعة الحديبية تحت الشّجرة، وكان أرسل عثمان رضي الله عنه إلى مكة في حاجة عرضت له، ولم يحضر البيعة، فضرب رسول الله بيده الشمال على اليمين وقال:«هذه عن عثمان، وشمالي خير من يمينه» .
وقد استعلمت أنا هذا في جملة كتاب فقلت: ولا يعدّ البر برّا حتى يلحق الغيث بالحصور، ويصل من لم يصله بجزاء ولا شكور؛ فزنة الغائب بالشاهد من كرم الإحسان، ولهذا نابت شمال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن يمين عثمان.
ومن ذلك أنه ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه استدعى أبا موسى الأشعري ومن يليه من العمّال، وكان منهم الرّبيع بن زياد الحارثي، فمضى إلى يرفأ مولى عمر «١» ، وسأله عما يروج عنده، وينفق عليه، فأشار إلى خشونة العيش، فمضى ولبس جبة صوف، وعمامة دسماء، وخفا مطابقا، وحضر بين يديه في جملة