للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكأنّها نتجت قياما تحتهم ... وكأنّهم ولدوا على صهواتها

وبين القولين كما بين السماء والأرض؛ فإنه يقال: ليس للأرض إلى السماء نسبة محسوسة، وكذلك يقال ههنا أيضا؛ فإن بقدر ما في قول أبي نواس من النزول والضعف، فكذلك في قول أبي الطيب من العلو والقوة.

وربما ظن بعض الجهال أن قول الشماخ:

إذا بلّغتني وحملت رحلي ... عرابة فاشرقي بدم الوتين

وقول أبي نواس:

وإذا المطيّ بنا بلغن محمّدا ... فظهورهنّ على الرّجال حرام

من هذا القبيل الذي هو قلب الصورة القبيحة إلى صورة حسنة، وليس كذلك؛ فإن قلب الصورة القبيحة إلى صورة حسنة هو أن يؤخذ المعنى الواحد فيكسى عبارتين إحداهما قبيحة والأخرى حسنة؛ فالحسن والقبح إنما يرجع إلى التعبير، لا إلى المعنى نفسه، وقول أبي نواس هو عكس قول الشماخ، وقد تقدم مثل ذلك فيما مضى من ضروب السرقات؛ ألا ترى الى قول أبي الطيب المتنبي وقول الشريف الرضي؛ فقال أبو الطيب:

إنّي على شغفي بما في خمرها ... لأعفّ عمّا في سراويلاتها

وقول الشريف الرضي:

أحنّ إلي ما تضمن الخمر والحلى ... وأصدف عمّا في ضمان المآزر

فالمعنى واحد، والعبارة مختلفة في الحسن والقبح.

وهذه السرقات- وهي ستة عشر نوعا- لا يكاد يخرج عنها شيء، وإذا أنصف الناظر في الذي أتيت به ههنا علم أني قد ذكرت ما لم يذكره غيري، وأنا أسأل الله التوفيق لأن أكون لفضله شكورا، وألا أكون مختالا فخورا.

وإذ فرغت من تصنيف هذا الكتاب، وحررت القول في تفصيل أقسام

<<  <  ج: ص:  >  >>