إن المؤلفات المتقدمة في رسم المصحف لم يصل إلينا منها شيء، إلا أن بعض المؤلفات في هجاء المصاحف التي تأتي متأخرة، قد نقلت ما جاء في تلك الكتب رواية، فنجد المؤلف يسند ما يذكره في كتابه إلى الأئمة المتقدمين، إضافة إلى ما قد يدونه من رؤيته وملاحظته، ونقله عن مصاحف عصره.
وإني قد لاحظت أن رواية الرسم سارت جنبا إلى جنب مع رواية القراءة، بل إن الرسم عده علماء القراءات ركنا من أركان قبول القراءة، لذلك نجد أن المؤلفين في القراءات لم تخل كتبهم من الكلام على الرسم، فعقدوا له بابا، وما ذلك إلا لبيان أن الرسم له تعلق كبير بالقراءة.
قال أبو العباس المهدوي (ت ٤٣٠ هـ): «إذ لا يصح بعض ما اختلف القراءة فيه دون معرفته»(١) أي رسم المصاحف فقد ظهر في كل مصر من الأمصار إمام روى ما في مصحف بلده، وكان يومها لا يفصل بين رواية القراءة ورواية الرسم، فقد روى أئمة القراءات وصف هجاء الكلمات إلى جانب روايتهم للقراءات، لشدة الصلة الوثيقة بين الرسم والقراءة.
وكما كانت المدينة النبوية دارا للسنة، كانت قبل ذلك ومعه دارا للقرآن، قراءاته ورسمه. فكان من أهل المدينة ممن روى الرسم عبد الرحمن بن هرمز