إن علم القراءات- بما فيه الرسم مبناه على الرواية والسماع والتلقي في كل عصر ومصر وخاصة في القرون الأولى.
وقد اهتم علماء السلف بالأسانيد، وكانت كل علومهم تتلقى بالرواية أو بالإجازة. والمتتبع لعلماء القراءات حتى نهاية القرن الخامس؛ آخر حياة المؤلف، قل أن يجد منهم من يعتمد فيما يرويه من قراءات وروايات وما يتصل بها على الكتب أو الصحف بأن يقول قرأت في كتاب فلان أو في كتاب كذا، ثم يورد الرواية أو القراءة، فذلك عندهم من العجز والتقصير، بل لا يصح الأخذ عنه لاعتماده على صحف يعتريها التحريف والخطأ.
فالطريقة المتبعة عندهم في رواية الكتب هي قراءتها على مؤلفيها، أو على شيوخ اتصلت أسانيدهم بمؤلفي تلك الكتب أو بإجازة شيوخ لهم مرويات تلك الكتب، وحينئذ يصرحون بتلقيهم لما في تلك الكتب بالإجازة (١).
والمؤلف أبو داود رحمه الله في كتابه التنزيل معتمد في كل ما يرويه من حروف في هجاء المصاحف على شيوخه وإن لم يذكرهم صراحة.
وهو ممن روى المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار فصرح في مقدمته بأنه قرأه على مؤلفه أبي عمرو عثمان بن سعيد.
(١) لاحظ ذلك في كتاب: برنامج التجيبي، وفهرست ابن خير الإشبيلي، وغيرهما من الفهارس الجامعة لروايات الشيوخ وتآليفهم.