عامة من تحدث عن الرسم العثماني من المعاصرين، قالوا: اختلف العلماء فيه على قولين، فمنهم من يقول بالتوقيف، ومنهم من يقول بالاصطلاح، فيجعلون رأي المتأخرين قسيم مذهب علماء الأمة (١).
إن هذا التقسيم الذي وضعه المتأخرون، لا يقوم على أسس علمية، وهو غير صحيح في نظري، لأن العلماء الأوائل لم يختلفوا في وجوب اتباع الرسم العثماني، فأجمع الصحابة والتابعون ومن بعدهم على ذلك، إلى أن جاء محمد بن الطيب الباقلاني المتوفى سنة ٤٠٣ هـ، ثم جاء بعده العز بن عبد السلام المتوفى سنة ٦٠٦ هـ، وجاء بعدهما عبد الرحمن بن خلدون المتوفى سنة ٨٠٨ هـ في القرن الثامن، فقالوا بتغيير الرسم، وكتابة المصاحف على ما أحدثه الناس من الهجاء.
ومن ثم رأيت من الإجحاف وعدم الإنصاف أن يقولوا:«اختلف العلماء على قولين»، فهذا فيه إيهام بأنهما متساويان، وفيه إجحاف بأحد القولين، لأن الذين قالوا بعدم الوجوب متأخرون وبعد قرون من الزمن، ويعد هذا القول محدثا طارئا ولا يرقى أن يكون مذهبا يساوي مذهب علماء الأمة، لأن الذين ذهبوا إلى وجوب اتباع الرسم العثماني هم أئمة الأمة وعلماؤها وخيارها كما سيتضح ذلك في نصوصهم ورواياتهم الآتية:
(١) انظر: لمحات في علوم القرآن للصباغ ١٢٥، مناهل العرفان ١/ ٣٧٧، رسم المصحف للفرماوي ٢٢.