قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إلى أن قال: ويقرون أن الله يجيء يوم القيامة، كما قال تعالى:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[الفجر:٢٢]، وأن الله يقرب من خلقه كيف شاء، كما قال:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}[ق:١٦]].
هذا على أحد القولين.
والقول الثاني: أن هذا قرب الملائكة فقوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ}[ق:١٦]، يعني: أقرب إليه بملائكتنا من حبل الوريد، بدليل قيده بالظرف؛ لقوله:{إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}[ق:١٧]، وقال:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}[ق:١٦]، أي: نحن أقرب إليه بملائكتنا، ولو كان المراد قرب الله لما كان مقيداً بالوصف وهو تلقي الملكين؛ لأن قرب الله عام وليس خاصاً، وهذا هو الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية.
والقول الثالث: أن المراد قرب علم الله، وهو قول مرجوح عند شيخ الإسلام وابن القيم، لكن المؤلف رحمه الله ينقل عن أبي الحسن وعن غيره، وقد ينقل عن غيره مسائل فيوافقه في بعضها وقد لا يوافقه، لكن قصده من ذلك تبيين أن السلف والعلماء كلهم يثبتون الصفات ويردون على أهل البدع، ومن ذلك أبو الحسن الأشعري حينما رجع إلى أهل السنة والجماعة وألف هذه المؤلفات القيمة بعد أن هداه الله.
فإن قال قائل فقوله تعالى:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[الفجر:٢٢] هل هو من هذا الباب أم لا؟ قلنا: معنى قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}، يعني: يجيء الله والملائكة، فإن الواو لا تقتضي الترتيب، بل الواو لمطلق الجمع، والمعنى: أن الملائكة يجيئون كما جاء في الحديث: تشقق السماوات فتنزل الملائكة، ثم يجيء الله لفصل القضاء سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله وعظمته.
فالنصوص دلت على تشقق السماوات على الملائكة، وأنهم يصفون، ثم يجيء الله، كما قال سبحانه وتعالى في الآية:{هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ}[البقرة:٢١٠].
وفي الآية الأخرى:{هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ}[الأنعام:١٥٨]، فالإتيان ثابت لله عز وجل كما يليق بجلالته وعظمته.