[جواز أكل طعام من لا يتهم في مكسبه]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومما نعتقده: أنا إذا رأينا من ظاهره جميل لا نتهمه في مكسبه وماله وطعامه، جائز أن يؤكل طعامه والمعاملة في تجارته، فليس علينا الكشف عن ماله، فإن سأل سائل على سبيل الاحتياط جاز إلا من داخل الظلمة].
فلا نقول: إن هذا مظهره جميل؛ لأنه يكسب مكاسب محرمة، لا نتهمه.
[جائز أن يؤكل طعامه والمعاملة في تجارته، فليس علينا الكشف عن ماله، فإن سأل سائل على سبيل الاحتياط جاز إلا من داخل الظلمة].
ولا ينبغي السؤال في مثل هذا، إلا إذا عرف أن هذا الطعام أو هذا الشيء الذي أعطاك إياه مسروق حرام، فهذا لا تأخذه، أو رأيته يتعامل بالربا فأعطاك منه فلا تأخذه، مثل ما فعل الغلام لـ أبي بكر، أتى غلام له وأعطاه الطعام، قال: أتدري ممن هذا؟ تكهن لرجل في الجاهلية وأعطاه ثمن الكهانة، هذا حرام، ولهذا أدخل أبو بكر أصبعه في حلقه حتى قاء ما في بطنه وقال: كدت أن تهلكنا.
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه إذا اختلط الحلال بالحرام فلا بأس، إذا كانت له مكاسب من حلال وحرام فتأكل لا بأس، والنبي أكل طعام اليهود وقبل هديتهم وهم يأكلون السحت، وأخبر أنهم يأكلون السحت، يعني: إذا لم تعلم أن هذا الشيء بعينه حرام فلا بأس.
[ومما نعتقده: أنا إذا رأينا من ظاهره جميل لا نتهمه في مكسبه وماله وطعامه، جائز أن يؤكل طعامه والمعاملة في تجارته، فليس علينا الكشف عن ماله].
في نسخة المجموع: [فليس علينا الكشف عما قاله، فإن سأل سائل على سبيل الاحتياط جاز إلا من داخل الظلمة].
إلا من داخل الظلمة يعني: يتهم في مكسبه، وهذا فيه نظر، مداخل الظلمة إذا كان مكسبه محرماً، فهذا له حكم آخر، وإذا عرف أن هذا المال بعينه محرم فلا يأكله، أو هذا الطعام محرم فلا يأكله.
قال رحمه الله تعالى: [ومن لا يزغ عن الظلم وأخذ الأموال بالباطل ومعه غير ذلك فالسؤال والتوقي كما سأل الصديق غلامه].
الظاهر أنه إذا كان معه غير ذلك فالسؤال والتوقي، يعني: كما حصل لـ أبي بكر، يعني: إذا لم تعلم أن هذا الطعام الذي قدمه بعينه مسروقاً أو مأخوذاً ظلماً فإنك تأكل إذا اختلط، مثل بيت المال الآن، فإن بيت المال يختلط فيه الحلال والحرام، ومع ذلك لا بأس في أخذ المرتبات وغيرها، كما قال شيخ الإسلام، لكن لو كان شيء بعينه تعرف أنه حرام وأنه مسروق، فإذا سرق سلعة من شخص وذهب يبيعها، لا يجوز أن تشتريها؛ لأنك تعرف أن هذا حرام، أما إذا لم تعلم فالإثم عليه.
وقوله: [ومن لا يزغ عن الظلم وأخذ الأموال بالباطل ومعه غير ذلك فالسؤال والتوقي، كما سأل الصديق غلامه].
أي: عرف أبو بكر قصة الغلام عندما تكهن لرجل في الجاهلية وأعطاه أجرة الكهانة.
قال: [فإن كان معه من المال سوى ذلك مما هو خارج عن تلك الأموال فاختلطا، فلا يطلق عليه اسم الحلال ولا الحرام إلا أنه مشتبه، فمن سأل استبرأ لدينه كما فعل الصديق، وأجاز ابن مسعود وسلمان وقالا: كل منه وعليه التبعة].
أي: كل منه وعليه الإثم، إذا لم تعلم يكون عليه الإثم.