[وصية معمر بن أحمد للصوفية باتباع منهج أهل الحديث في إثبات العلو والنزول]
قال المؤلف رحمه الله تعالى:[وقال الإمام العارف معمر بن أحمد الأصبهاني - شيخ الصوفية في حدود المائة الرابعة في بلاده - قال: أحببت أن أوصي أصحابي بوصية من السنة، وموعظة من الحكمة، وأجمع ما كان عليه أهل الحديث والأثر بلا كيف، وأهل المعرفة والتصوف من المتقدمين والمتأخرين، قال فيها: وإن الله استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل، والاستواء معقول، والكيف فيه مجهول، وأنه عز وجل بائن من خلقه، والخلق منه بائنون بلا حلول ولا ممازجة ولا اختلاط ولا ملاصقة؛ لأنه الفرد البائن من الخلق، الواحد الغني عن الخلق].
أثبت استواء الرب بلا حلول ولا ممازجة، وهذا فيه رد على الجهمية القائلين بالحلول والاختلاط، مثلاً يقولون: إن الله مختلط بالمخلوقات نعوذ بالله، وهذا كفر وضلال، فالجهمية نفوا أن يكون الله في العلو، وقالوا: إنه حال في كل مكان، وهذا اختلاط في ذاته نعوذ بالله، ولهذا قال: بلا حلول ولا اختلاط ولا ممازجة.
قال: [وأن الله عز وجل سميع بصير عليمٌ خبيرٌ يتكلم، ويرضى ويسخط ويضحك ويعجب، ويتجلى لعباده يوم القيامة ضاحكاً، وينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا كيف شاء (فيقول: هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ هل من تائبٍ فأتوب عليه؟ حتى يطلع الفجر)، ونزول الرب إلى السماء بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل فمن أنكر النزول أو تأول فهو مبتدع ضال وسائر الصفوة من العارفين على هذا].
قد يقال: إن ثلث الليل يختلف من دولة إلى دولة وهذا يقتضي نزول الرب أكثر من مرة.
هذا بالنسبة للمخلوق، أما بالنسبة للخالق فلا يقال هذا، نقول له إنما قال: يزداد الليل والنهار في الأمكنة لأنك شبهت نزول الخالق بنزول المخلوق فظننت أن نزول الخالق كنزول المخلوق، ولذلك اشتبه عليك الأمر أن تقول: يختلف الليل فقد يكون مثلاً ثلث الليل هنا الآن، وهو ثلث مثلاً في أمكنة بعيدة في أمريكا بعد اثنتي عشرةَ ساعة وفي ثلث الليل بعد كذا فلا يزال الرب كل وقت ينزل نقول هذا الإشكال إنما نشأ لكونك لم تفهم من نزول الخالق إلا كما فهمت من نزول المخلوق لكن نقول الله ينزل بلا كيف، فلا نعلم الكيفية ففي أي مكان أنت في أرض الله إذا جاء ثلث الليل فإنه وقت تنزل الله سبحانه ولا نعلم الكيفية، ولا إشكال هنا.