[قبول الأشعري لأحاديث الآحاد الصحيحة في العقائد]
قال رحمه الله تعالى: [ونسلم الروايات الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رواها الثقات عدلاً عن عدل حتى ينتهي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم].
يعني: نقبل الحديث إذا عدلت رواته واتصل سنده.
يعني: خلافاً لأهل البدع الذين يقولون: أخبار الآحاد لا تقبل في العقائد، أما نحن فنقول: إذا ثبت الحديث بسند صحيح وعدلت رواته واتصل سنده قبل في العقائد والأعمال والأخلاق وفي كل شيء، خلافاً للمعتزلة وأهل البدع القائلين بأن أخبار الآحاد لا تقبل في العقائد، وهذا باطل، ويعللون قولهم بأن خبر الآحاد ظني الثبوت ظني الدلالة، وهذا كله مما أحدثه أهل البدع، فقولهم: ظني الثبوت، يعني: مشكوك في ثبوته، فلا يقبل، وإذا كان الدليل من القرآن أو كان متواتراً قالوا: هذا قطعي الثبوت، لكنه ظني الدلالة، فلا نجزم بأن قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:٥٤] يفيد الاستواء، لجواز أن يكون معناها استولى.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إلى أن قال: ونصدق بجميع الروايات التي يثبتها أهل النقل من النزول إلى السماء الدنيا، وأن الرب عز وجل يقول: هل من سائل؟ هل من مستغفر؟ وسائر ما نقلوه وأثبتوه خلافاً لما قال أهل الزيغ والتضليل.
ونعول فيما اختلفنا فيه على كتاب ربنا وسنة نبينا وإجماع المسلمين، وما كان في معناه، ولا نبتدع في دين الله ما لم يأذن لنا به، ولا نقول على الله ما لا نعلم.
ونقول: إن الله يجيء يوم القيامة، كما قال تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:٢٢].
وأن الله يقرب من عباده كيف شاء، كما قال تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:١٦]].
وهذا الأصل فيه أن الضمير يعود إلى الله، فقوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ} [ق:١٦] يعني: أقرب إليه بالعلم والقدرة والإحاطة.
والقول الثاني: أن المراد قرب الملائكة، والمعنى: قرب الملائكة من قلب العبد، بحيث تكون ذوات الملائكة أقرب إلى العبد من حبل الوريد، ولهذا قيده بالظرف، فقال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ} [ق:١٦ - ١٧].
يعني: أقرب إليه من حبل الوريد وقت تلقي المتلقيان، ولو كان المراد قرب الرب لكان عام التعلق ولم يخصص ولم يقيد بوقت تلقي المتلقيان، هكذا ذهب إلى هذا القول شيخ الإسلام رحمه الله وجماعة.
وآخرون من أهل العلم كمثل أبي الحسن الأشعري قالوا: إن القرب يعود إلى الله، والمراد قرب الله في العلم، مثل قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق:١٦]، فهو قرب بالعلم.
وبعضهم قال: قرب بالعلم والقدرة والرؤية والإحاطة.
قال رحمه الله تعالى: [وأن الله يقرب من عباده كيف شاء، كما قال تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:١٦]، وكما قال {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم:٨ - ٩]].
هذا القول بأن هذا يعود إلى الله، والراجح أنه يعود إلى جبريل، فقوله تعالى: {ثُمَّ دَنَا} [النجم:٨] أي: جبريل {فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم:٨ - ٩].
وجاء في حديث الإسراء أنه يعود إلى الله لكن قال العلماء: إن هذا من أفراد شريك بن أبي نمر وله أوهام وأغلاط في حديث الإسراء، ولهذا لما روى مسلم في الصحيح حديث شريك قال: فقدم وأخر وزاد ونقص، وهذا أبو الحسن يقرر أن قوله: (ثم دنى فتدلى) يعود إلى الله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إلى أن قال: وسنحتج لما ذكرناه من قولنا وما بقي مما لم نذكره باباً باباً.
ثم تكلم على أن الله يرى، واستدل على ذلك، ثم تكلم على أن القرآن غير مخلوق واستدل على ذلك، ثم تكلم على من وقف في القرآن وقال: لا أقول: إنه مخلوق ولا غير مخلوق].
هذا التوقف باطل، وهو أحد مذاهب أهل البدع إذ بعضهم يقول: القرآن مخلوق، وبعضهم يقول: أتوقف فلا أقول مخلوق ولا غير مخلوق، وهذا مذهب الواقفة قال بعضهم: الواقفة شر من الجهمية، فعلى الإنسان أن يجزم بأن القرآن كلام الله، غير مخلوق، أما التوقف فبدعة.