[عجز العقول عن إدراك صفات الله]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته عجزها عن تحقيق صفة أصغر خلقه، لا تكاد تراه صغراً يجول ويزول، ولا يرى له سمع ولا بصر].
وذلك مثل الذرة والبعوضة، وغيرها أصغر من المخلوقات، لا تستطيع أن تصفها أو تعرف كنهها، فهي تزول وتحول وتمشي ولها مخ ولها أعصاب ولها أعضاء وأمعاء: يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل ويرى نياط عروقها في نحرها من بين هاتيك العظام النحل قال المؤلف رحمه الله تعالى: [لما يتقلب به ويحتال من عقله، أعضل بك وأخفى عليك مما ظهر من سمعه وبصره، فتبارك الله أحسن الخالقين].
قوله: من عقله، أي: مما أعطاه الله من العقل ما يحتال.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وخالقهم وسيد السادة وربهم {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١].
اعرف -رحمك الله- غناك عن تكلف صفة ما لم يصف الرب من نفسه، بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها، إذا لم تعرف قدر ما وصف، فما تكلفك علم ما لم يصف، هل تستدل بذلك على شيء من طاعته أو تزدجر به عن شيء من معصيته].
فالناس لا تستطيع أن تحيط بعلمه، ومن ذلك أن الله وصف نفسه بالقدرة، فهل تستطيع أن تحيط بقدرته.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فأما الذي جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقاً وتكلفاً فقد استهوته الشياطين في الأرض حيران، فصار يستدل بزعمه على جحد ما وصف الرب وسمى من نفسه بأن قال: لا بد إن كان له كذا من أن يكون له كذا فعمى عن البين بالخفي، وجحد ما سمى الرب من نفسه بصمت الرب عما لم يسم منها].
أي: عمي عن البين بالخفي؛ لأن الله تعالى وصف نفسه بالعلم والقدرة والسمع، وهذا بين واضح، فكيف يعمى عن هذا الشيء الواضح بشيء يقدره من نفسه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فلم يزل يملي له الشيطان حتى جحد قول الرب عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢ - ٢٣] فقال: لا يراه أحد يوم القيامة، فجحد والله أفضل كرامة الله التي أكرم بها أولياءه يوم القيامة من النظر إلى وجهه ونظرته إياهم في مقعد صدق عن مليك مقتدر].
إذ أن أعظم نعيم يعطاه أهل الجنة، رؤيتهم لربهم عز وجل، حين يكشف الحجاب عنه فيرى وجهه الكريم سبحانه وتعالى، حتى إن أهل الجنة ينسوا ما هم فيه من النعيم، ومع ذلك جحدها هؤلاء.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد قضى أنهم لا يموتون، فهم بالنظر إليه ينظرون، إلى أن قال: وإنما جحد رؤية الله يوم القيامة إقامة للحجة الضالة المضلة؛ لأنه قد عرف إذا تجلى لهم يوم القيامة، رأوا منه ما كانوا به قبل ذلك مؤمنين، وكان له جاحداً].
يعني: هو جحد رؤية الله في الدنيا؛ لذلك جحد رؤية الله يوم القيامة لتقوم عليه الحجة الضالة في إنكار رؤية الله، لما أنكرها في الدنيا أنكر رؤية الله في الآخرة ما أنكر ذلك في الدنيا.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال المسلمون يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا، قال: فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا، قال: فإنكم ترون ربكم كذلك) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمتلئ النار حتى يضع الجبار فيها قدمه).
وهذه النصوص واضحة بأن المراد: رؤية بالبصر خلاف المعتزلة الذين قالوا المراد بالرؤية العلم، لكن هذه النصوص واضحة أنهم يرون ربهم كما يرون الشمس صحواً ليس دونها سحاب، وكما يرون القمر ليلة البدر.
والأسماء والصفات توقيفية لا يجوز إثباتها إلا بدليل، ما ورد في النصوص نثبته، وما لم يرد لا نثبته.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمتلئ النار حتى يضع الجبار فيها قدماه فتقول قط قط وينزوي بعضها إلى بعض)].
وهذا فيه صفة القدم لله عز وجل والرد على من أنكره والله أعلم بهذا، والله تعالى لا يظلم أحداً من خلقه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال لـ ثابت بن قيس رضي الله عنه: (لقد ضحك الله مما فعلت بضيفك البارحة)].
وهذا فيه صفة الضحك لله كما يليق بجلاله وعظمته، وأهل البدع لا يستطيعون أن يثبتوا هذه الصفة، والرد عليهم في الحديث: (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة) يعني: إثبات الضحك لله كما يليق بجلاله وعظمته لا يماثل أحداً من خلقه، لا يشبه ضحك المخلوقين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال فيما بلغنا: (إن الله ليضحك من أزلكم وقنوطكم وسرعة إجابتكم، فقال له رجل من العرب: إن ربنا ليضحك؟ قال: نعم.
قال: لا نعدم من ربٍّ يضحك خيراً).
قال: أزلكم، والأزل: الضيق والشدة، يقال: هم في أزل العيش، وآزلت السنة أي: اشتدت وأصبح القوم أزلين، أي: في شدة.
يضحك من أزلكم يعني: من شدتكم وقنوطكم ويأسكم، يعلم أن فرجكم قريب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [في أشباه لهذا مما لم نحصه، وقال الله تعالى: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١]].
وهذه الآية فيها إثبات السمع والبصر لله سبحانه فهو سميع وبصير، فالسميع والبصير من أسماء الله المشتقة، وكل اسم مشتمل على صفة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:٤٨].
يعني: على مرأىً منا وكلأ وحفظ.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:٣٩]].
أي: على مرأىً مني.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥]].
وهذه الآية فيها إثبات اليدين لله سبحانه، لأن اليدين أضافهما إلى ضمير نفسه سبحانه وتعالى.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال تعالى: {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر:٦٧]].
قوله: (قبضته) يعني: بيده سبحانه وتعالى.
فقوله: (بأعيننا) يعني: بالمرأى منا، أما إثبات العين فهذا مأخوذ من حديث الدجال: (إن ربكم ليس بأعور) ففيه إثبات العينين لله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال: {وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:٦٧]].
فيه إثبات اليمين له، وكلتا يديه يمين في الشرف والفضل والبركة سبحانه وتعالى وتنزه عن النقص.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [(فوالله ما دلهم على عظم ما يوصفه من نفسه، وما تحيط به قبضته إلا صغر نظيرها منهم عندهم، إن ذلك الذي ألقى في روعهم)].
والروع: هو القلب، ومعناها كذلك: الوجل والخوف، قال تعالى عن إبراهيم: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} [هود:٧٤].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكفي رزقها وأجلها) والروع هنا: القلب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إن ذلك الذي أُلقي في روعهم، وخلق على معرفة قلوبهم، فما وصف الله من نفسه فسماه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم سميناه كما سماه، ولم نتكلف منه صفة ما سواه - لا هذا ولا هذا - ولا نجحد ما وصف، ولا نتكلف معرفة ما لم يصف].
هذا هو الواجب، ألا يتكلف الإنسان معرفة ما وصف الله به نفسه، ولا يجحد صفاته، بل يثبت صفات الله عز وجل ولا يتكلف فيثبت صفات لم تثبت لله، فالأسماء والصفات توقيفية.