[موافقة الأشعري لمعتقد أحمد بن حنبل في الصفات]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال أيضاً أبو الحسن الأشعري في كتابه الذي سماه الإبانة في أصول الديانة].
وهو من آخر كتبه، ألفه لما رجع إلى معتقد أهل السنة والجماعة.
قال: [وقد ذكر أصحابه أنه آخر كتاب صنفه، وعليه يعتمدون في الذب عنه عند من يطعن عليه، فقال: فصل في إبانة قول أهل الحق والسنة].
ومعنى إبانة يعني: إظهار.
قال رحمه الله تعالى: [فإن قال قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي به تقولون وديانتكم التي بها تدينون؟ قيل له: قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها: التمسك بكلام ربنا وسنة نبينا وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول أبو عبد الله أحمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته وعجل مثوبته قائلون، ولما خالف قوله مخالفون؛ لأنه الإمام الفاضل، والرئيس الكامل، الذي أبان الله به الحق، ودفع به الضلالة، وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين، وزيغ الزائغين، وشك الشاكين].
يقصد الإمام أحمد إمام السنة والجماعة، وقوله: (الكامل) فيه مبالغة بالكمال، وإنما هذا وصف للنبي صلى الله عليه وسلم، فهو الرئيس الكامل، يعني: الكمال البشري، فالكمال لله عز وجل، لكن الكمال البشري رئيسه وصاحبه هو الرسول صلى الله عليه وسلم، والإمام أحمد هو إمام السنة والجماعة، لكن ليس بمعصوم.
قال: [فرحمة الله عليه من إمام مقدم، وجليل معظم، وكبير مفهم].
وكبير مفهم أي: فهمه الله تعالى.
قال: [وجملة قولنا: أنا نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله، وبما جاءوا به من عند الله، وبما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نرد من ذلك شيئاً، وأن الله واحد لا إله إلا هو، فرد صمد، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً].
قوله: (فرد) ليس من أسماء الله، وإنما هو من باب الخبر.
قال: [وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وأن الجنة حق، والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور.
وأن الله مستو على عرشه، كما قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥].
وأن له وجهاً، كما قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٢٧].
وأن له يدين بلا كيف، كما قال تعالى: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥]، وكما قال تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:٦٤].
وأن له عينين بلا كيف، كما قال: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر:١٤].
وأن من زعم أن أسماء الله غيره كان ضالاً، وذكر نحواً مما ذكر في الفرق].
يعني: لا يجوز أن يقال: أسماء الله منفصلة أو صفات منفصلة، فالله تعالى بذاته وأسمائه وصفاته هو الخالق وغيره مخلوق.
قال: [وذكر نحواً مما ذكر في الفرق إلى أن قال: ونقول: إن الإسلام أوسع من الإيمان، وليس كل إسلام إيماناً].
الإسلام أوسع من الإيمان، فالعاصي يقال له: مسلم ولا يقال له: مؤمن بإطلاق، وإذا قلت: مؤمن وسكت فتكون قد أخطأت، وإذا قلت: ليس بمؤمن فقد أخطأت، بل لا بد من القيد، فتقول: مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وفي النفي لا تقول: ليس بمؤمن، فإنك إن قلت: مؤمن بإطلاق وافقت المرجئة، وإذا قلت: ليس بمؤمن وافقت الخوارج والمعتزلة، بل تقول في النفي: ليس بصادق الإيمان، أو ليس بمؤمن حقاً.
قال: [وندين بأن الله يقلب القلوب بين أصبعين من أصابع الله عز وجل].
وذلك كما جاء في الحديث: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)، تقول له عائشة: (يا رسول الله تكثر أن تدعو بهذا فهل تخاف؟ قال: وما يؤمني يا عائشة وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء؟)، فإذا أراد أن يقلب قلب عبد قلبه، هذا وهو سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، وهو المعصوم عليه الصلاة والسلام.
والأصابع لله ثابتة كما يليق بالله العظيم، وهي كسائر الصفات، جاء في الحديث: (إن الله يضع السموات على أصبع، والأرضين على أصبع، والماء والثرى على أصبع، والشجر على أصبع، وسائر الخلق على أصبع، ثم يهزهن بيده ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟) فهناك خمسة أصابع ثابتة لله كما يليق بجلاله وعظمته.
قال رحمه الله تعالى: [وأنه عز وجل يضع السماوات على أصبع، والأرضين على أصبع، كما جاءت الرواية الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قال: والإيمان قول وعمل، يزيد وينقص].
وهذا خلافاً للمرجئة الذين يقولون: إن الإيمان تصديق بالقلب فقط، فقوله: الإيمان قول وعمل، أي: قول اللسان وقول القلب، فاللسان بالنطق والقلب بالإقرار، والعمل: عمل القلب وعمل الجوارح، والمرجئة يقولون: الأعمال ليست من الإيمان، وإنما الإيمان هو تصديق القلب فقط.
وقوله: (يزيد وينقص) أي: يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والمرجئة يقولون: الإيمان لا يزيد ولا ينقص، بل إيمان أهل السماء وأهل الأرض واحد.