[الصابئة وعلماؤهم ومن أخذ من مذهبهم]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فكانت الصابئة إلا قليلاً منهم إذ ذاك على الشرك، وعلماؤهم: الفلاسفة، وإن كان الصابئي قد لا يكون مشركاً، بل مؤمناً بالله واليوم الآخر، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:٦٢]، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [المائدة:٦٩]، لكن كثيراً منهم أو أكثرهم كانوا كفاراً أو مشركين، كما أن كثير من اليهود والنصارى بدلوا وحرفوا وصاروا كفاراً أو مشركين، فأولئك الصابئون الذين كانوا إذ ذاك كانوا كفاراً مشركين، وكانوا يعبدون الكواكب، ويبنون لها الهياكل، ومذهب النفاة من هؤلاء في الرب: أنه ليس له إلا صفات سلبية أو إضافية أو مركبة منها، وهم الذين بعث إبراهيم الخليل إليهم].
الشيخ: وهذا هو هذا مذهب الصابئة، وهو أنهم يصفون الله بصفات سلبية أو إضافية أو مركبة، والصفات السلبية بالنفي، ليس بجوهر كقولهم: ولا جسم ولا عرض ولا كذا، وليس له كذا، والإضافية هي الأمور المضافة إلى بعضها والتي لا يعقل معناها إلا مع غيرها، كقولهم في الله: هو مبدأ لهذه الكثرة، وعلة لحركة الفلك، هذه أمور متضايفه لا تثبت وجود الله إلا من جهة كونه محرك لهذا الفلك، بالإضافة إلى الفلك، أو لهذه الكثرة، والمركبة من النفي ومن الإضافة، وهذا هو مذهب الفلاسفة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فيكون الجعد أخذها عن الصابئة الفلاسفة].
الشيخ: يصلح أن نقول الصابئة هم فلاسفة، لكن الفلاسفة هم علماء الصابئة، والصابئة عامتهم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذلك أبو نصر الفارابي دخل حران، وأخذ عن فلاسفة الصابئين تمام فلسفته، وأخذها الجهم أيضاً].
الشيخ: المعلم الأول هو أرسطو، وهو أول من شاع القول بقدم العالم من الفلاسفة المشائين، ثم جاء المعلم الثاني: أبو نصر الفارابي من رؤساء اليونان، ثم المعلم الثالث: أبو علي بن سيناء، والثلاثة كلهم ملاحدة، وابن سيناء هو الذي حاول أن يقرب الفلسفة من الإسلام، وهو في محاولته الشديدة لم يصل إلى ما وصلت إليه الجهمية الغالية في التجهم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذلك أبو نصر الفارابي دخل حران وأخذ عن فلاسفة الصابئين تمام فلسفته، وأخذها الجهم أيضاً فيما ذكره الإمام أحمد وغيره، لما ناظر السمنة بعض فلاسفة الهند، وهم الذين يجحدون من العلوم ما سوى الحسيات].
الشيخ: السمنة: طائفة من فلاسفة الهند لا يؤمنون إلا بالحسيات، ناظروا الجهم وقالوا له: إلهك هذا الذي تعبد، هل رأيته، قال: لا، قالوا: هل سمعته بإذنك، قال: لا، قالوا: هل شممته بأنفك؟ قال: لا، قالوا: هل ذقته بلسانك؟ قال: لا، قالوا: هل جسسته بيدك؟ قالوا: لا، قال: إذاً هو معدوم، فشك في ربه، وترك الصلاة أربعين يوماً، ثم نقش الشيطان في ذهنه، إثبات وجود في الذهن، فأثبت وجوداً لربه، ونفى عنه جميع الأسماء والصفات.
وأما القول بقدم العالم فهو كفر، ومعناه: أنه ليس له موجب، وهو إنكار لوجود الله، ومضمونه أن هذا العالم ليس له خالق، وليس بمخلوق.
وهذا هو الذي قاله أرسطو، وهو أول من قال بقدم العالم، وكان الفلاسفة قبله لا يقولون بذلك، بل يعظمون الشرائع، ويؤمنون بحدوث العالم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فهذه أسانيد الجهم، ترجع إلى اليهود والصابئين والمشركين، والفلاسفة الضالين، إما من الصابئين وإما من المشركين].
الشيخ: أي: إن الفلاسفة الضالين إما أن يكونوا من الصائبين، وإما أن يكونوا من المشركين.