[بيان المنحرفين عن طريقة السلف وطوائفهم]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأما المنحرفون عن طريقهم.
فهم ثلاث طوائف: أهل التخييل، وأهل التأويل، وأهل التجهيل، فأهل التخييل: هم المتفلسفة ومن سلك سبيلهم من متكلم ومتصوف، فإنهم يقولون: إن ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر إنما هو تخييل للحقائق لينتفع به الجمهور، لا أنه بين به الحق، ولا هدى به الخلق ولا أوضح الحقائق].
الشيخ: يريدون أن ما أخبر به النبي من الغيب من باب التخييل، فالنبي يخيل لهم أنها حقائق حتى تستقيم أمورهم وتصلح أحوالهم، ولا يعتدي بعضهم على بعض، فإنهم إن اعتقدوا أن هناك جنة ونار وبعث ونشور يخافون، ولا يعتدي بعضهم على بعض، وإلا في الحقيقة ليس هناك لا جنة ولا نار ولا بعث، وأهل التخييل كفرة ملاحدة نعوذ بالله من ذلك.
ويقولون عن النبي: إنه رجل عبقري، فليست النبوة عندهم هبة من الله، بل النبي رجل عبقري يسوس الناس.
يقول المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم هم على قسمين: منهم من يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلم الحقائق على ما هي عليه، ويقولون: إن من الفلاسفة الإلهية من علمها، وكذلك من الأشخاص الذين يسمونهم أولياء من علمها، ويزعمون أن من الفلاسفة أو الأولياء من هو أعلم بالله واليوم الآخر من المرسلين.
وهذه مقالة غلاة الملحدين من الفلاسفة والباطنية: باطنية الشيعة وباطنية الصوفية.
ومنهم من يقول: بل الرسول صلى الله عليه وسلم علمها لكن لم يبينها، وإنما تكلم بما يناقضها، وأراد من الخلق فهم ما يناقضها؛ لأن مصلحة الخلق في هذه الاعتقادات التي لا تطابق الحق].
الشيخ: فتبين أن أهل التخييل طائفتان، طائفة تقول: الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الحقائق التي جاء بها، ولكن الذي يعلمها بزعمهم هم الذين يسمون بالفلاسفة أو الأولياء.
والطائفة الثانية تقول: بل الرسول علم معناها لكنه لم يبنيها فقد كتمها وإن كانت هي الحق؛ لأن مصلحة الناس إنما هي في الكتمان، فمصلحة الناس أن يخبرهم بغير الحقائق وبغير الواقع.
فهم على طائفتين وكلهم ملاحدة.
فالطائفة الأولى يقولون: إن الرسول يقرأ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥]، ويقرأ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:١٠]، وهو لا يعرف معنى يصعد، ولا يعرف معنى استوى.
وإنما يعلم هذا بزعمهم الفلاسفة والأولياء فهم عندهم يعرفون المعاني، فيجعلونهم أعلم بالله من الأنبياء والمرسلين.
وقد أراد من قال إن الرسول عبقري أن يمدح الرسول عليه الصلاة والسلام ولا شك أن الرسول عليه الصلاة والسلام أكمل الناس في الصفات وفي الشجاعة والفهم والعلم، لكن كلمة عبقري فيها ما فيها.
يقول المؤلف رحمه الله تعالى: [ويقول هؤلاء: يجب على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو الناس إلى اعتقاد التجسيم مع أنه باطل، وإلى اعتقاد معاد الأبدان مع أنه باطل، ويخبرهم بأن أهل الجنة يأكلون ويشربون مع أن ذلك باطل؛ لأنه لا يمكن دعوة الخلق إلا بهذه الطريق التي تتضمن الكذب لمصلحة العباد].
الشيخ: فهم لزيغهم وجهلهم يقولون: الرسول كذب لكن كذب لهم لا عليهم، وفرق بين من يكذب لك ويكذب عليك، فقد كذب عليهم فقال: هناك معاد، لكنه كذب لهم، أي: لمصلحتهم، والمصلحة تقتضي هذا، فهو يخبر أن هناك معاد وجنة ونار ووكل ذلك ليس حقيقة، وهو يثبت الصفات لله حتى يعتقد الناس أن لله صفات، ومع ذلك فلا صفات على الحقيقة، وإذا سئلوا لماذا يعمل هذا؟ قالوا: لأن هذا من باب السياسة، فهذا هو الذي يصلح الناس، وهو كذب لهم لا عليهم، وما دام الكذب لمصلحة فلا بأس، وهذا من أبطل الباطل، واعتقاد هذا من أعظم الكفر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فهذا قول هؤلاء في نصوص الإيمان بالله واليوم الآخر، وأما الأعمال فمنهم من يقرها ومنهم من يجريها هذا المجرى، ويقول: إنما يؤمر بها بعض الناس دون بعض ويؤمر بها العامة دون الخاصة فهذه طريقة الباطنية والملاحدة والإسماعيلية ونحوهم].
الشيخ: فالأعمال كالصلاة والصيام والزكاة يأمرهم بها النبي صلى الله عليه وسلم وهي ليست بواجبة، ومنهم من يقول: الصلاة والزكاة إنما يأمر بها العامة من الناس دون الخاصة والأولياء.