للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام خليلا الرحمن]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ونعتقد: أن الله اتخذ إبراهيم خليلاً، واتخذ نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خليلاً وحبيباً، والخلة لهما منه على خلاف ما قال المعتزلة: أن الخلة الفقر والحاجة].

كلام المعتزلة من أبطل الباطل فالخلة: هي نهاية المحبة وكمالها، فأهل السنة يثبتون المحبة لله عز وجل والخلة على ما يليق بجلال الله وعظمته، فالله تعالى له صفة الخلة وله صفة المحبة، والله تعالى اتخذ الخليلين إبراهيم ومحمداً، والخلة: هي تمام المحبة وكمالها، وهي بالنسبة للمخلوق لا يتسع القلب بأكثر من خليل واحد، وسميت خلة؛ لأنها تتخلل شغاف القلب وتصل إلى السويداء، أي: إلى نهاية المحبة وغايتها، ولا يتسع القلب لأكثر من خليل واحد، بخلاف المحبة فإن القلب يتسع لمحبات كثير، ولهذا لما امتلأ قلب نبينا صلى الله عليه وسلم بخلة الله قال: (لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً) يعني: لو كان في القلب متسع لكان لـ أبي بكر، لكن ليس فيه متسع، لكن المحبة فيه، ولهذا كان النبي يحب أسامة، وأباه زيداً، ويحب عائشة، ويحب عمرو بن العاص، ويحب جماعة كثيرين، أما الخلة فليس فيه متسع، فقد امتلأ قلبه بخلة الله، وصرف الخلة والمحبة لله عز وجل، أما الخلة والمحبة بالنسبة لله فهي صفتان تليقان بجلال الله وعظمته، وصفة الخلة وصفة المحبة هي كسائر الصفات لا تختلف، وأنكر المعتزلة والجهمية الخلة والمحبة، قالوا: لا خلة، ولا محبة؛ لأن الخلة والمحبة لابد أن تكون لمناسبة أو لمشاكلة بين المحب والمحبوب، وليس هناك مشاكلة بين الرب والعبد، وهذا من جهلهم وضلالهم، فإن أعظم ما فيه صلة بين الخالق والمخلوق، وهي أعظم صلة بين رب وعبد، فالله تعالى يربي عباده بنعمة والعبد يتأله ربه ويعبده، وفسروا الخلة بالفقير والمحتاج، قالوا: الله اتخذ إبراهيم خليلاً، يعني: فقيراً محتاجاً إليه، وهذا من جهلهم وضلالهم، فكل واحد فقير إلى الله، حتى الكفرة فقراء إلى الله، معناه: أنها ليست خاصة، فعلى المعنى هذا: الكفرة شاركوا إبراهيم بالخلة، وهذا من جهلهم وضلالهم، ففسروا الخليل بالفقير المحتاج، ومعلوم أن كل الناس فقراء إلى الله، بل كل المخلوقات فقيرة إلى الله.

إلى أن قال: [والخلة والمحبة صفتان لله هو موصوف بهما، ولا تدخل أوصافه تحت التكييف والتشبيه، وصفات الخلق من المحبة والخلة جائز عليهم الكيف، وأما صفات الله تعالى فمعلومة في العلم وموجودة في التعريف قد انتفى عنهما التشبيه، فالإيمان به واجب، واسم الكيفية عن ذلك ساقط].

يعني: صفة المخلوق تتكيف وتعلم، أما صفة الخالق لا تتكيف، لكنها تعلم وتثبت، ونعتقد أن له كيفية لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>