[استحالة كون أصحاب القرون المفضلة يجهلون تلك الأمور أو يتكلمون فيها بغير الحق]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إذا كان قد وقع ذلك منه فمن المحال أن يكون خير أمته وأفضل قرونها قصروا في هذا الباب زائدين فيه أو ناقصين عنه، ثم من المحال أيضاً أن تكون القرون الفاضلة، القرن الذي بعث فيهم رسول صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كانوا غير عالمين وغير قائلين في هذا الباب بالحق المبين؛ لأن ضد ذلك إما عدم العلم والقول، وإما اعتقاد نقيض الحق، وقول خلاف الصدق، وكلاهما ممتنع].
أي: إما كونهم يجهلون باب أصل الدين، أو يتكلمون فيه بغير الحق، وهذا ممتنع، ومن الممتنع أيضاً أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبين أصل الدين، وإذا كان ممتنعاً فممتنع كذلك أن تكون خير الأمة وأفضل الأمة، وهم القرون المفضلة بعده صلى الله عليه وسلم لم يحكموا هذا الأصل، أو جهلوه، أو تكلموا فيه بغير الحق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، فلابد أن يحكموا هذا الباب، ويتكلموا فيه بالحق.
وعلى هذا تكون أقوال أهل البدع الذين جاءوا بعد تلك القرون المفضلة، كلها أقوال باطلة ومردودة، ومناقضة لما عليه السلف الصالح.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أما الأول فلأن من في قلبه أدنى حياة وطلب للعلم أو نهمة في العبادة، يكون البحث عن هذا الباب والسؤال عنه، ومعرفة الحق فيه أكبر مقاصده وأعظم مطالبه، أعني بيان ما ينبغي اعتقاده لا معرفة كيفية الرب وصفاته.
وليست النفوس الصحيحة إلى شيء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر].
وهذا الكلام مقدمة عظيمة للمؤلف رحمه الله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهذا أمر معلوم بالفطرة الوجدية، فكيف يتصور مع قيام هذا المقتضي].
قوله: المقتضي أي: الموجب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فكيف يتصور مع قيام هذا المقتضي -الذي هو من أقوى المقتضيات- أن يتخلف عنه مقتضاه في أولئك السادة في مجموع عصورهم؟! هذا لا يكاد يقع من أبلد الخلق، وأشدهم إعراضاً عن الله، وأعظمهم إكباباً على طلب الدنيا والغفلة عن ذكر الله، فكيف يقع من أولئك؟!].
أي: إن كونهم لا يتكلمون بهذا الدين، ولا يحكمون أصل الدين، ولا يعرفونه، ولا يتكلمون به، هذا مستحيل، والأمر الثاني أنه يستحيل أيضاً أن يتكلموا بغير الحق، إذ يستحيل ألا يفهموا أصل الدين ولا يحكموه ولا يتكلموا به، ولا يتكلم فيه إلا المتأخرون.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأما كونهم كانوا معتقدين فيه غير الحق، أو قائليه، فهذا لا يعتقده مسلم ولا عاقل عرف حال القوم.
ثم الكلام عنهم في هذا الباب أكثر من أن يمكن سطره في هذه الفتوى أو أضعافها، يعرف ذلك من طلبه وتتبعه، ولا يجوز أيضاً أن يكون الخالفون أعلم من السالفين، كما قد يقوله بعض الأغبياء -ممن لم يقدر قدر السلف، بل ولا عرف الله ورسوله والمؤمنين به حقيقة المعرفة المأمور بها-: من أن طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم].
الخالفون: هم الخلف المتأخرون، الذين جاءوا بعد السلف الصالح.
وهذه مقالة معروفة عن أهل البدع، وهي أن طريقة السلف أسلم والخلف أعلم وأحكم، وهذا باطل، فالسلف أسلم وأعلم وأحكم، والخلف ليس عندهم شيء من العلم والحكمة، وإنما هم على جهل واعتماد على العقول والآراء وزبالة الأذهان ومحادثة الأفكار، فطريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم.