للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بيان اعتقاد الحافظ أبي بكر البيهقي في الصفات]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفي عصره الحافظ أبو بكر البيهقي مع توليه للمتكلمين من أصحاب أبي الحسن الأشعري وذبه عنهم قال في كتاب الأسماء والصفات: باب ما جاء في إثبات اليدين صفتين لا من حيث الجارحة لورود خبر الصادق به.

قال الله تعالى: {يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥]، وقال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:٦٤]، وذكر الأحاديث الصحاح في هذا الباب، مثل قوله في غير حديث في حديث الشفاعة: (يا آدم! أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه)، ومثل قوله في الحديث المتفق عليه: (أنت موسى اصطفاك الله بكلامه، وخط لك الألواح بيده -وفى لفظ- وكتب لك التوراة بيده) ومثل ما في صحيح مسلم: (وغرس كرامة أوليائه في جنة عدن بيده)، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: (تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يكتفأ أحدكم خبزته في السفر؛ نزلاً لأهل الجنة)].

هذه النصوص كلها تثبت اليدين لله عز وجل، وأبو بكر البيهقي يتولى أهل الكلام الأشاعرة ومع ذلك أثبت اليدين، ومعروف أن الأشاعرة لا يثبتون اليدين، بل يثبتون الصفات السبع، لكن أبو بكر البيهقي كان يميل لأهل السنة وإن كان يوافق الأشاعرة في بعض ما يقررونه، لكنه هنا وافق أهل السنة وأثبت أن اليدين من صفات الله، لكن قوله: (ليستا جارحتين) مما يؤخذ عليه.

والمؤلف رحمه الله ينقل عن العلماء النقول وقد لا يوافقهم في كل ما يقولون، لكنه يبين موافقتهم أهل السنة والجماعة، فقوله: لا على الجارحتين، لا ينبغي التكلم به لا نفياً ولا إثباتاً، فلا يقال: جارحة، ولا يقال: غير جارحة؛ لعدم ورود النص بذلك.

قال: [وذكر أحاديث مثل قوله: (بيدي الأمر)، (والخير في يديك)، (والذي نفس محمد بيده) (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل)، وقوله: (المقسطون عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين)].

هذه النصوص فيها إثبات اليدين من الكتاب والسنة.

قال: [وقوله: (يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك.

أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟)].

وهذا الحديث فيه إثبات اليمين والشمال.

والحديث رواه مسلم، لكن بعضهم طعن في قوله: (بشماله)؛ لتفرد بعض الرواة فيها.

والصواب أنها ثابتة، وهو معروف من الأحاديث الأخرى أيضاً، يعني: إثبات اليمين يدل على إثبات الشمال، فله يمين وله شمال سبحانه وتعالى، أما حديث (كلتا يديه يمين) يعني: في الفضل والشرف والبركة وعدم النقص، بخلاف المخلوق، فإن يده الشمال فيها نقص عن اليمين، أما الرب سبحانه وتعالى فكلتا يديه يمين في الشرف والفضل والبركة وعدم النقص.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: (يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض؟ فانه لم يغض ما في يمينه، وعرشه على الماء، وبيده الأخرى القسط يخفض ويرفع)].

وجاء في رواية بلفظ: (بيده الأخرى القبض) وفي الأخرى بلفظ: (بيده الخير).

وفي الأصل القسط، وكذا في نسخة الفتاوي وغيرها، وما أثبت من الصحيحين والأسماء والصفات للبيهقي.

وفيه: إثبات صفة القبض والبسط.

قال: [وكل هذه الأحاديث في الصحيح.

وذكر أيضاً قوله: (إن الله لما خلق آدم قال له ويداه مقبوضتان: اختر أيهما شئت قال: اخترت يمين ربى يمين مباركة)].

والحديث أخرجه الترمذي في كتاب التفسير، قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة.

انتهى.

وابن أبي عاصم في السنة، ورواه الحاكم في المستدرك وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم وذكر له شاهداً ووافقه الذهبي والبيهقي في الأسماء والصفات وابن حبان.

قال: [وحديث: (إن الله لما خلق آدم مسح ظهره بيده) إلى أحاديث أخر ذكرها من هذا النوع.

ثم قال البيهقي: أما المتقدمون من هذه الأمة فإنهم لم يفسروا ما كتبنا من الآيات والأخبار في هذا الباب، وكذلك قال في الاستواء على العرش وسائر الصفات الخبرية، مع أنه يحكي قول بعض المتأخرين].

قوله: (لم يفسروا ما كتبنا من الآيات والأخبار).

يعني: لم يفسروا الكيفية ولم يتأولوها، أما المعنى ففسروه ووضحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>