[إثبات صفة اليدين والرجل والقدم لله سبحانه]
[ثم قال: ثم إن الله تعالى تعرف إلى عباده المؤمنين، أن قال: له يدان قد بسطهما بالرحمة، وذكر الأحاديث في ذلك، ثم ذكر شعر أمية بن أبى الصلت].
هذا فيه إثبات اليدين لله عز وجل، كما أثبتهما لنفسه سبحانه وتعالى في كتابه فقال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:٦٤]، وقال: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم ذكر حديث: (يلقى في النار وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع فيها رجله)، وهي رواية البخاري، وفي رواية أخرى: (يضع عليها قدمه)].
ففي الرواية الأولى: إثبات الرجل لله عز وجل، والله تعالى لا يضره أحد من خلقه.
وفي الرواية الثانية: إثبات القدم لله سبحانه وتعالى، وكلا الروايتين ثابتتان، فالقدم والرجل من صفاته سبحانه وتعالى.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم ما رواه مسلم البطين عن ابن عباس: أن الكرسي موضع القدمين، وأن العرش لا يقدر قدره إلا الله].
وهذا ثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وذكر قول مسلم البطين نفسه، وقول السدي وقول وهب بن منبه، وأبي مالك، وبعضهم يقول: موضع قدميه، وبعضهم يقول: واضع رجليه عليه.
ثم قال: فهذه الروايات قد رويت عن هؤلاء من صدر هذه الأمة، موافقة لقول النبي صلى الله عليه وسلم، متداولة في الأقوال، ومحفوظة في الصدور، ولا ينكر خلف عن السلف، ولا ينكر عليهم أحد من نظرائهم، نقلتها الخاصة والعامة مدونة في كتبهم، إلى أن حدث في آخر الأمة من قلل الله عددهم، ممن حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مجالستهم ومكالمتهم، وأمرنا ألا نعود مرضاهم، ولا نشيع جنائزهم، فقصد هؤلاء إلى هذه الروايات فضربوها بالتشبيه، وعمدوا إلى الأخبار فعملوا في دفعها إلى أحكام المقاييس، وكفر المتقدمين، وأنكروا على الصحابة والتابعين، وردوا على الأئمة الراشدين، فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل].
هذا يعني: أن هذه النصوص -التي فيها إثبات الصفات- ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، متداولة ومعلومة عند السلف، وعند الأئمة، وعند العلماء، وعند الصدر الأول، حتى جاء أهل البدع فضربوها بالتأويل، وضربوا لها المقاييس، وقالوا: إن فيها تشبيهاً، فأبطلوها، وقالوا: إنها أخبار آحاد لا يحتج بها، وأولوها، وأهل البدع هؤلاء هم الذين نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعود مرضاهم، وأن نتبع جنائزهم، وقد سبقهم أهل العلم وأهل البصيرة إلى إثباتها وقبولها والعمل بها، فلا يلتفت إلى هؤلاء -أهل البدع- الذين أحدثوا بعد السلف وبعد الصحابة والتابعين.
وقول المؤلف عن أهل البدع هؤلاء: قلل الله عددهم، يعني: لا كثرهم الله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم ذكر المأثور عن ابن عباس، وجوابه لـ نجدة الحروري، ثم حديث الصورة، وذكر أنه صنف فيها كتاباً مفرداً، واختلاف الناس في تأويله].
حديث الصورة: هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم على صورته)، كأن ابن خفيف ألف فيه كتاباً مستقلاً.
وشيخ الإسلام رحمه الله تكلم على حديث الصورة هذا، وأطال فيه، وبين تلبيس الجهمية في هذا، والكتاب بلغ ما يقارب رسالة، وفيه بين المؤلف رحمه الله أن القول الحق الذي عليه الأئمة وأهل العلم، أن الضمير في قول النبي صلى الله عليه وسلم (خلق الله آدم على صورته)، يعود إلى الله، كما تدل عليه الرواية الأخرى: (خلق الله آدم على صورة الرحمن).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: إن الرواية ثابتة وسندها لا بأس به.
وقال بعضهم: إن الضمير يعود إلى آدم، أي: خلق الله آدم على صورة آدم، وهذا القول نفاه الإمام أحمد وأبطله، فلما سأله ابنه قال: (خلق الله آدم على صورته)، هل هي صورة آدم؟ قال: هذا قول الجهمية، أي على صورة آدم قبل أن يخلقه الله.
والقول الثالث: قالوا: إن الضمير يعود إلى المضروب؛ لأن الحديث له سبب، فالحديث ورد فيه: (لا تضرب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته)، فقالوا: هذا من باب التشبيه المقلوب، فالضمير يعود إلى المضروب.
والصواب من هذه الأقوال: أنه يعود إلى الله، وفيه: إثبات الصورة لله عز وجل، بل كل موجود له صورة، فهو يقتضي نوعاً من المشابهة، وهي المشابهة في مطلق الصورة، لكنها لا تقتضي مشابهة في الجنس، ولا في الذات والصفات.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم قال: وسنذكر أصول السنة وما ورد من الاختلاف فيما نعتقده فيما خالفنا فيه أهل الزيغ وما وافقنا فيه أصحاب الحديث من المثبتة إن شاء الله، ثم ذكر الخلاف في الإمامة واحتج عليها وذكر اتفاق المهاجرين والأنصار على تقديم الصديق وأنه أفضل الأمة].
الشيخ: هذا هو اعتقاد أهل السنة والجماعة خلافاً للرافضة الذين يرون أن خلافة الصديق وخلافة عمر وعثمان باطلة.