[الصبر على السلطان وإن جار ما أقام الصلاة]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ونعتقد: الصبر على السلطان من قريش، ما كان من جور أو عدل، ما أقام الصلاة من الجمع والأعياد].
وهذا هو مقصد أهل السنة والجماعة الصبر على جور السلطان، وعدم الخروج على ولاة الأمور، ولو فعل المعاصي والظلم، إلا إذا وجد الكفر الصريح مع القدرة والاستطاعة، ومع وجود البديل، أي: إذا كفر كفراً صريحاً واضحاً لا برهان به، كما في الحديث الآخر: (إلا أن ترى كفراً بواحاً عندك من الله برهان) جاز الخروج بشرطين: الشرط الأول: وجود البديل، فيزال الكافر ويؤتى بدله بمسلم، أما إذا كان يزال الكافر ويؤتى بدله كافر ما حصل المقصود.
الشرط الثاني: القدرة، فإن عجز فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
هذا إذا وجد الكفر، أما المعاصي والظلم والجور فلا يجوز الخروج، فمعتقد أهل السنة والجماعة: أن الخروج من كبائر الذنوب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتته جاهلية) والخروج على ولاة الأمور من كبائر الذنوب، ولا يجوز، ولأن الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي يترتب عليه مفسدة أكبر، فمن منكرات ولاة الأمور مثلاً الظلم، كأن يكون ظلم بعض الناس، أو قتل بعض الناس، أو سجن بعض الناس، أو ما أشبه ذلك، ولكن يحصل من الخروج أن تراق الدماء، وتنتهك الأعراض، ويتسلط الأعداء، ويختل الأمن، ويختل الاقتصاد والزراعة والتجارة والدراسة، وتختل أمور الناس كلها، وتأتي فتن تقضي على الأخضر واليابس، فأيهما أعظم؟ فالجور والمعصية مفسدة صغرى، وهذه مفاسد متعدية، فلهذا جاء الإسلام بالمنع.
ولهذا قال المؤلف: نعتقد نحن أهل السنة والجماعة الصبر على السلطان ما داموا يقيمون الصلاة والجمع والأعياد، يعني: ما داموا مؤمنين موحدين.
وقوله: (الأئمة من قريش) يعني: إذا كان اختيار المسلمين يختارون إماماً من قريش؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الأئمة من قريش)، ولما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال هذا الأمر في قريش) وفي لفظ: (ما بقي منه اثنان ما أقاموا الدين) يعني: ما داموا يقيمون الدين، فيكون الأمر فيهم والولاية فيهم ما داوموا على إقامة الدين، أما إذا لم يقيموا الدين فإنه يختار المناسب، وهذا إذا كان باختيار المسلمين، كما اختار الصحابة أبا بكر من قريش، ثم عمر من قريش، ثم عثمان من قريش، ثم علياً من قريش، هذا إذا كان باختيار المسلمين.
أما إذا غلبهم بسيفه وقوته وسلطانه ثبتت له الولاية ولو كان عبداً حبشياً، كما في الحديث: (أمرني خليلي أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً حبشياً مجدع الأطراف) أي: مقطع اليدين والرجلين فتثبت له الولاية بالقوة والغلبة، فالخلافة تثبت بواحد من ثلاثة أمور: الاختيار والانتخاب كما في خلافة الصديق وعثمان.
والثاني: بولاية العهد من الخليفة السابق، كما عهد الصديق لـ عمر.
والثالث: بالقوة والغلبة.
ولم تثبتت الخلافة بالاختيار والانتخاب إلا في زمن الخلفاء الراشدين، أما بعدهم فكلها بالقوة والغلبة، فخلفاء بني أمية، وخلفاء بني العباس والأتراك والمماليك، كلها بالقوة والغلبة إلى الآن.
فهذا إذا كان باختيار المسلمين يختارون من قريش، أما إذا كان ليس الاختيار لهم وغلبهم بقوته وسيفه وسلطانه ثبتت له الخلافة، ووجب السمع له والطاعة، وحرم الخروج عليه، إلا إذا كفر كفراً صريحاً كما في الحديث الذي في صحيح مسلم قال: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان) بهذا القيد، أي: كفر موصوف بثلاثة أوصاف: كفر، بواح، عندكم من الله فيه برهان، مع القدرة، ومع وجود البديل.
ومن هنا يتبين أن الخروج على ولاة الأمور من المعاصي، وأن هذا من طريقة أهل البدع والخوراج والمعتزلة، والرافضة هم الذين يخرجون على ولاة الأمور، والخوارج يخرجون على ولاة الأمور بالمعاصي، فإذا عصى عندهم كفر وخلد في النار، ووجب قتله؛ لأنه مخلد في النار، والمعتزلة يرون الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي؛ لأن هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والرافضة يخرجون على ولاة الأمور بالمعاصي؛ لأنهم لا يرون الإمامة إلا للإمام المعصوم، والإمام المعصوم عندهم هم الأئمة الاثنا عشر ويزعمون أنه نص عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تصح الإمامة لغيرهم ويجب الخروج عليهم، أما أهل السنة فيخالفون الخوارج والمعتزلة والروافض، يرون الصبر على ولاة الأمور، وعدم الخروج عليهم بالمعاصي.
قال: [والجهاد معهم ماض إلى يوم القيامة].
كذلك الجهاد ماض مع ولاة الأمور أبراراً كانوا أو فجاراً إلى يوم القيامة؟